خيال تجلى من يد منه بيضاء لـ حازم القرطاجني

خَيَالٌ تجلَّى من يدٍ منه بيضاءِ
دُجى ليلةٍ مثل الشبيبةِ سوداءِ

سرى لابسًا ثوبين من شفقٍ ومن
دُجًى وانثنى ما بين فجرٍ وظلماءِ

بدا بهما بينَ اسودادٍ وزُرْقَةٍ
كشادخةٍ بيضاءَ في وجه هيفاءِ

ولم يُشجني بَعدَ الحبيب مفارقٌ
كطيفٍ أثارَ الوجدَ من بعد إطفاءِ

سُرِرْتُ بمَسْراهُ وباتَ على النَّوى
قريبًا به منِّي مَزارُ الأحبَّاءِ

ولو أوفتِ الأيامُ وانقضتِ النوى
لما سَمَحَتْ عينُ الرَّقيبِ بإغفاءِ

شُموسٌ ترى مِنْ دونها كلَّ مُمْسِكٍ
بِجِذْلِ القنا يرنو بمقلةِ حرباءِ

يشوقُ فؤادي ما يشقُّ عليه من
شذا روضةٍ من نعمة الحَلْي غنَّاءِ

وكلَّ غيورٍ لا يزال يروعُهُ
تنسُّمُ روضٍ أو ترنُّم وَرْقاءِ

يذودُ اللحاظَ الهيم عن ماءِ وجهه
تفَتَّحُ نَوْر الحُسْنِ منها بأَرجاءِ

متى شاء يحْجبها بنصلٍ وذابلٍ
وإن شاءَ يَحجُبْها بصلٍّ ووجناءِ

يُرَوّضُ منْ أحداجِها كلّ مهمه
وتبردُ من أنفاسها كلُّ رَمْضاءِ

على وَجْهِهِ للحُسْنِ نورٌ مضلِّلٌ
قد اكتحلتْ عيناه مِنْهُ بأَضواءِ

فلو كان نُورًا هاديًا قلتُ مُدَّ مِن
سنا وجه مولانا الأميرِ بلألاءِ

إمام هدًى عدلٌ به الله نُورَه
أَتمَّ وأَبْدى سِرّه بعد إخفاءِ

هو المالئُ الآفاق عدلًا به خَلتْ
قلوبُ البرايا من تعادٍ وشَحْناءِ

غَدتْ باسمهِ واسمَيْ أبيه وجدِّه
مَنابِرُها تزهو بأفضلِ أسماءِ

بآلِ أبي حفصٍ علا عَلَمُ الهدي
وطالتْ مباني كلّ مجدٍ وعلياءِ

إذا عُدِّدَتْ صِيدُ الملوك ثنى الورى
خناصِرَهم منهم على خَيرِ إبداءِ

رُحماءٌ للمطيعِ وهمْ ذوو
قلوبٍ على المعاصي غِلاظٍ أَشدَّاء

وما خُطبتْ إلاّ بهِمْ دَعْوة الهدى
بآية ما كانوا لها خيرَ أكفاءِ

همُ أمَّنوها فور ما قد تَحَيَّرَتْ
دجاها نهوضًا واضطلاعًا بأَعباءِ

ألا أن إرث الهدْي صار لخير مَنْ
أتاه تراثُ المجدِ عَن خيرِ آباءِ

لسبطِ أبي حفص وصرح علا أبي
محمدٍ السَّامي أبي زكرياءِ

تصوبُ بأرزاقِ العفاة له يدٌ
تصيبُ مدى الدهرِ العداةَ بأرزاءِ

يفيدُ أفانينَ المعارف شافعًا
بها ما حبا من عارفاتٍ وآلاءِ

أفاضَ ينابيعَ العلوم مَعِينُهُ
وأصفى فما فيها مجالٌ لأقذاءِ

وأغنى عن الصقلِ الضرابُ سيوفَه
فما عَلِقتْ منها متونٌ بأصداءِ

نداك على العافي وبأسُك في العِدا
حياةٌ لأمْواتٍ وموتٌ لأحياءِ

فما يعصم الأعداءَ منك توقُّلٌ
بعلياءَ تمشي دونها كلُّ عصماءِ

كأنك إذا فُتَّ الثريَّا مكانةً
سطوتَ بكفَّيها خصيبٍ وجدباءِ

ورُعْتَ عَبورَ الشِعْرَيَيْنِ فلم تغر
خفوقًا وبذا السعد نورَ الغميصاءِ

وقد قبضَ الليثُ الذراعَ فلم يَهِج
دراكًا بذي رُمْحٍ تَلاه وعوَّاءِ

وخَيلُك قد أنسى النعائِم خَوْفَها
شبا ذابحٍ منْ خلفهنَّ وزَوْراءِ

فهل خَفِيتْ في الصُّبْح من خَوفِ غارةٍ
على ساحةِ الخضراء منهنَّ شعواء

جيادٌ إذا تَغشى الدروعَ حسبتها
رعانًا تغشتها يلامِعُ بيداءِ

كأنَّك راءٍ زئبقًا مترجرجًا
على مُلسِ أصلابٍ لهنَّ وأصلاءِ

فكم قَذَفَتْ شمس النهار بنقعها
وكم صدِئت مرآتها بعد إمهاءِ

وكم نائم قد نَبَّهتْ وبصيرةٍ
بها جُلِيَتْ مرآتها بعد إصداءِ

أياديكمُ في السلمِ تحيي عُفَاتكم
وتُرْدي أعاديكم لدى كلّ هيجاءِ

تقودُ إلى استئصالهم كلّ جحفلٍ
يُواصِلُ تأويبًا إليهم بإسراءِ

تُظِلُّ عوالي سُمْرِه كلّ ضيغمٍ
كأنْ قد أقلَّتْهُ قوادمُ فتْخَاء

متى شاءَ لم يقنع من القِرن نَصْلُهُ
بغير سوادِ الطَّرف أو بالسُّويداءِ

يرى كلّ خافي مقتلٍ من سنانه
بعينٍ كزرقاء اليمامة زرقاءِ

يُقِلُّ القنا حتَّى يُخَلنَ سوامِقًا
تُهَصّرُ من راياتِهنَّ بأقناءِ

هنيئًا لكمْ بل للدِّيانة والدُّنا
وأهليهما في ظِلِّكُمْ كلُّ نعْماءِ

سما لحظُ أهل الغربِ منك لنيِّر
وشمسٍ بَدَتْ من مطلعِ الشرق بيضاءِ

طليعةُ فتحٍ أقدَمَتْها سُعودُكم
فهنّيتُمُ من بعدها كلَّ سرَّاءِ

عَرا عُربَ إحدى العدوتين بمثله
من العدْوة الأُخرى مُقدّم أنباءِ

هَوَى عُرب تلكم مِن هوى عُرْبِ هذه
تَشابهت الدُّنيا توافقَ أهواءِ

يقِلُّ لما يأتي من الفتحِ ما أتى
فكم جادَ وبلٌ بعد ظلٍّ وإنداءِ

دَعا الخلقَ داعي هَدْيِكم وبدا لهم
سناكمْ فكلُّ ذو التفاتٍ وإصغاءِ

مطيعٌ مطيبٌ في عُلاكم ثناءه
مجيبٌ منيبٌ مُسرعٌ غير نأناءِ

بدا منكمُ نُورُ الإِله متممًا
فأشرق من طيِّ الضلوع بأحناءِ

ترفّعَ عن لحظِ العيونِ وخوِلت
بإدراكه من دونها كلُّ حَوباءِ

من الجانبِ الشرقيّ نُوديَ كلُّ مَنْ
على الأرض من دانٍ ومن ناءِ

كما أسعد اللهُ ابنَ عمرانَ إذ سرى
إلى الجانبِ الغربيِّ منْ طُورِ سَيْناءِ

هو النورُ نورُ الله مُتَّحدٌ وإن
تعدَّدَ في شتَّى عصورٍ وأنحاءِ

تعودتَ أن تُنْسِي بجُودكَ في النَّدى
على فضلِ ما أسْلَفْتَهُ كلَّ أنداءِ

وكم ببّغا كانت بمهجر جُنْدَبٍ
فآضتْ بنعماكم مغرِّدَ مُكَّاءِ

فدامَ تحامِي الدِّين منكم على المدى
بأبيض قضّاب وبيضاء قضَّاءِ

ودمت لِدُنيا المؤمنين ودينهم
مؤيّد راياتٍ مُسدَّد آراءِ

إرسال تعليق

0 تعليقات