سبحان من سبحته الشهب والفلك لـ حازم القرطاجني

سبحان من سبَّحته الشهبُ والفلكُ
والشَّمسُ والبدرُ والإِصباحُ والحَلكُ

واللَّوحُ والقلمُ العلويُّ سبَّحَهُ
واللَّوحُ والعرشُ والكرسيُّ والملكُ

والأُنسُ والجنُّ ما زالت تسبِّحه
والوحشُ في بيدها والطيرُ والسمك

سبحانَ مَنْ لم تغبْ عنه الغيوبُ ومن
له على الغيب سرٌّ ليسَ ينهتك

لم يشترك معه في علمه أحدٌ
وجُودهُ في كلُّ الخلق مشترك

سبحانَ من عجزتْ عنه العقولُ فلم
تُدْرِكْهُ والعجزُ عن إدراكه درك

سبحانَ منْ لترَجِّي عفوِه سكنتْ
نفوسنا ولها من خوفه حَرَك

ربٌّ تقدَّس في سلطانِهِ وعلا
وجلَّ عن كلِّ ما قدْ قال مؤتَفِك

توحيده العُرْوَةُ الوثقى لممْسِكِها
فتبَّ من بِعُرَاها ليس يمتسك

أدنى وأبعد فالأَتقى له دَرَجٌ
إلى السَّعادة والأَشقى له دَرَك

يا ربّنا اغفرْ لنا اللهمّ واقْضِ لنا
بالخيرِ عندك يا رحمانُ يا ملك

وعافِنا واعفُ عمَّا كانَ من لمَمٍ
ومن كبائرَ فيها نحن نرتبك

نُنْهى فلا نَنْتَهي عن غيِّ أنفسنا
بل ننتهي الغايةَ القصوى وننتهك

عجبتُ ممَّنْ بدتْ للشيب ضاحكةٌ
في فَوْدِهِ كيف يُلهي نفسَه الضحك

العُمْرُ مرحلةٌ والمرءُ في سَفرٍ
في كلِّ حينٍ إلى الأُخرى له رَتَك

تقطيعُ أنفاسه قطعٌ لأزمنةٍ
بمرّها مِررُ الجثمان تنبتك

دنياك تفنى وما الأُخرى بفانيةٍ
فانظر لنفسك ما تُعطي وتمتلك

فاطلب بما يقتضي ما لا انقضاء له
واختر لنفسك ما تعطي وتمتَلِك

والحقْ بطائفةٍ بالحقِّ طائفةٍ
واسلكْ سبيلَهُمُ في كلّ ما سلكوا

سَخَوْا بدناهمُ شُحًّا بدينهُمُ
فكان ما اتَّخذوا فوق الَّذي تركوا

بذل الغنى عندهم في الله خيرُ غنىً
وخيرُ مِلك لديهمْ بذلُ ما ملكوا

قد استوى عندهمْ أن ليس قصدهُمُ
غيرَ البلاغ فضولُ العيشِ والمِسَك

حِجرٌ بنهي النُّهى والحِجر عنهم
أن تؤمر الحجر أو أن تُؤبَر السكك

من كلِّ ماحٍ خطاياه بأدمعه
فحُمْرُها في اصفرار الخدِّ تنسفك

كأنَّما الدَّمعُ من عينيه منسكبًا
عَيْنٌ بنارِ زفيرِ القلبِ يَنسبك

يضيءُ في هالةِ المحراب بدرَ هدىً
وتنجلي عنه إشراقَ الدُّجى الحَلَك

فاسلكْ سبيلَ أُولي التقوى وخذ معهم
في كلٍّ ما أخذوا وانْسكْ كما نسكوا

واجعلْ يقينك دون الحقِّ واقيةً
إنَّ اليقين يقي ما تقي الشّكك

وارغبْ إلى الله واسأَلْ منه مَغفِرةً
لعَلَّه لكَ بالغُفْرَان مُدَّرِك

إرسال تعليق

0 تعليقات