قصيدة من بيروت لـ مظفر النواب

واقف في الخراب أثنيه
عاش جلالتكم
مرة ينبت العقم ضد القوانين
يحترم الانحطاط كرامته
يقف القبر منحنيا من جلال الولاة بالجهض
هذا الفساد الحضاري يلهمني
أتحول من خيبتي إلى حلزونا
يعشش في مستبسلا
وتطور في المشارط علم الجراحة
من كل هذا الجمال المهدم
صرح سليمان يبنى
وقد أرسلوا هدهدا عالمنا بالنساء
إلا فافرحي يا بغيا تسمى
فما تلك الأخريات من القهر حتى حقوق البغاء
أنا فرح يا بغيا تسمى
وأرقص بين الجنازات
ون الجنازات هذا دميم
أنا أمه الراقصة البدوية قدام قاتلها
جاءت الساعة الصعبة
ما تملك الظلمات سفيه تنفس
صمت تفرخ فيه المآتم
أيوب في الليل
أيوب في لحظات التفسخ
أيوب ينمو
وتأتي الظباء من البر مورقة
جاءت الساعة الصعبة...
الصعبة..الصعبة..
واقتحموا
صاحب القيم البربرية
كان الجراد ألغولي يأكل أقدام أيوب
أيوب مستسلما
فتشوا الجلد والحشوات المليئة بالسل والقمل
لا تتلفت
أنت أيوب..لا تتلفت
وأغار الجراد على عين أيوب
أيوب مستسلما
ورأيت الجراد يجر عينه
أيوب مستسلما
أيوب في الموقف الدولي
وجرارة وقفت في الخراب تنظف أسنانها
أيها الرب
إن بقية أيوب تنبض
قف بالخراب
وقفت..
وكنت أراهم كم السنديان المكابر في الرعد
فلتفرحي يا بغيا
ففي مجدك اكتملت جوقة العزف
لكنها الساعة الصبة الآن
والاختيار الذي فضح الضلعين من الضفتين
وأعرف أن الدماء الزكية تدعوا العقارب
اقتربي ...اقتربي يا عقارب
اقتربي..
اقتربي أيها الصحف الأجنبية
واكتسبي فرحا يافعا
وانظري للعرايا على الأرض
تم الحصاد بهن
فقد كان فقر يدافع منذ قليل وأخفق
ما أقبح الفقر حين يدافع
يا أيها الفقر هاجم
وأعلنها علنا أنني عالم بالوثائق والسندات
وهو واقف في الخراب
أرى الانتهاك يراقبني
والدويلات ترفع أعلامها الطائفية مزهوة
نفذوا سندا واحدا والباقي جيرة
إن هذي النبوءة قد عذبتني
ولست أقول سوى عاشت الشقق الملحقات بندب
ويعقوب راقب بنيك
لقد دخل العقم هذي المتاهة
ما أصعب اللعب بالعقم
ما أصعب البندقية حين تصوب في ضحكة لصغير
وتتركه في المحاق
أيها السافلين
أما تستحي البندقية حين ترى امرأة
تتوسل تحت البصاق
أما تستحي القمة العربية من قاتل
يجهل اللغة العربية يحكي مطالبها
أما يستحي الشعب من صمته
إن طاولة الزهر ضاقت بنا فاستحوا
أنت قف بالخراب
أنا واقف والخرائب تركض
والطلقات تزيد الصفيح المثقب
فقرا ومذلة
وأقول أنا الحق لا أستحي
إن القبور الفقيرة كانت على الجهتين
وبيروت ما أحرقت
أنما أحرقا
وقح... وقح... وقح...
وقح أنت... قف بالخراب ولاتتطاول
واقف أنا....
لا علاقة لي غير أني طفحت من الحزن
صارت عيوني ترى من قفاها
وقد جئت أمسح وجه الشواطىء من عرق الطلق
فالمهات يعانين طلقا عظيما بميتة أبنائهن
وتصبح روحي ساعة أمن
وينزل فيها الفراغ البطيء
أنا خائف في شبابيك هذا الخراب
عواء لطفل يشجعني أن أرى أي وجه لنا في الحضارة
أعوي أنا
فالعواء يوازن هذا الخراب
واحضن يتما تكون بين الصواريخ
نصبح يتيمين في عالم نملك اليتيم فيه
ويصبوا إلي بروح عدائية
ثم تعطي الغريزة كل مفاتنها
فيمد يديه المحطمتين ليحضن في العواء
وأحضن فيه الذي حفرته القنابل
هذا بناء جميل وهندسة للقيامة
ولا بد أن جلالتكم تعرفون
بأن مشاعية سوف تنبت بين الخرائب قاطبة
وتقاوم كل المبيدات من نفطكم
أتلفت في فرح
كان هذا إنفجار وأعطى صنوبرة من دخان
وثمة شارة ضوء تواصل أعمالهم
إبتدأ النهب.....
كنت أرى جثثا يصرخ الصمت والنهب فيها
كنت أرى إمرأة تستباح وتنهب
والطفل يرضع في صدرها
كان يلعب في الإلتصاق
ولكنهم بتروا راحتيه وعانوا بصرخته
شجر بالحليب نما
حملت موزة كل أجراسها فوق بيروت
كان المسيح على النهر يغسل صلبانه
إغسلوا كعبة اللّه أيضا من الأثمين
قبيل رحيل محمد من قبره في المدينة
ثم عطر يؤرقني
وأزحت المشيمة كان دخان البيوت الفقيرة مرتبكا
وألتفت إلى جهة الليل
أدخلوا الهمجية في طفلة كنت أسمع صرختها
قمرا يتآكل في خجل
من يغطي على فخذيها
فإنهما في مواجهة اللّه مكسورتان
كما بددت فرحا
والخنازير تعبث
يا رب قد ملأوا فمها بحشاء دنيء
أما تستحي أنت يا رب منهم
لقد وسخوا الكون
فاغضب قليلا
هلا لك قد جعلوه وعاء لأثامهم
صليبك قد عاقفته العصابات نارية
خجل...خجل...خجل...
خجل من حشاء الخنازير
كانت تلوح بقيتها ثم حين إنتهوا
راقبت خطوة للإنتصار المشين
التي قد مشوها وماتت
إلا أيها الرب
هذا إضطراب وليس صراعا
وهذا دخول على الطائفية والجاهلية والبربرية
يا جيفا يا نتانات
أين دياناتكم
أين عقائدكم
يا بهئم
إن البهئم ما نهبت بعضها
ولماذا تركتم على الجسد الغض
خرقة ثوب مبللة بالحشاء
إنهبوها..زإنهبوها لتكمل أخلاقنا
إنزعوا قرطها الطفل
فالسندات القديمة تفتح فينا رصيدا جديدا
ويعقوب راقب بنيك
فهذا إنهيار عظيم وليس صراعا
وإني على قدرتي حامل حجر للبناء
ولكن على كل هذا الخراب المبجل كيف يتم البناء
وأعلن محكمة وإتهامي خطير
قفوا سأقول قرارا خطيرا
رأيت القتيل يساعد قاتله... والأدلة كافية
وأنا أرصد من كل فج
وهذا قرين يراقبني كيف أجمع بين القرائن
وابتدأ العزف في
ولكنني كشفت عن الفخ
هذي النبوءة أفزعتني
هنا خنجر ... وهنا وردة خنجر فافهموا
خراب في المدينة
أوشك لما رأى من رؤى أن أعانقكم
إننا لغة خبأ اللّه فيها مفاتيح جنته
ليت الفوارق تسقط ما بيننا
التجيء الآن من حذري البدوي إلى لغة الشرق
أقسم أني رأيت رؤى
لم أكن حالما
إنما كان جسني في حلم لم أكن يقظا
إنما كان قلبي يجتمع الناس فيه
قتلتني المدينة
لكن طلقتها اشتعلت في فلبي عشقا
أكادوا أعنقكم نظفوا العنق
لا تتركوا في السلاح شكوكا وشكوا وراء السلاح
المهم إني رأيت رؤى
منذ عامين حدثت عنها لكشف الثواني
وكان تراب الوجود ورائي
رأيت وعدت حزينا...
وعدت رأيت وعدت معافى
لقد جئت من كل عمق
وكلي مدخرات وحزن وأبرق
فاستمعوا ولد الآن مولود عشق
وبالعشق قال المنجم ينفى
ويرقبه في كل بيت فساد
وبالعشق تطلق نار على جسدي الفوضوي وأنمو
وبالعشق في بيت بيروت أوقد كل شموعي
تبارك زيتك منها ومطفأة
أما المدائن تلد
وتعاني فناء بطيئا
وليس لها كل هذا الحريق المبارك
فلتفرحي وارقصي واكشفي فخذيك المعذبتين
فأنا الآن مثلك أعرف ما الحزن ما الفرح الهمجي
وما الاتزان الذي ممكن في اضطراب المقاييس
ها كاشف فخذي كثور الأساطيل
أرني بكل الحكومات لكن بعشق
بعشق...بعشق
سألقى الشوارع بعد الزنا وأتمثل في فرح
أعرف أن العصافير في الزقاق المعدنية
تبقى تمسح ريشاتها لصباح جميل
امسح ريشة حزني يا رب
يا قادما حولك الفقراء وأسمع صوتك في العالي
أيه القادم المستبد جمالا وعذلا وخمرا
تقدم فإن المدائن واقفة هجرة
والجماهير غابت عن المذبح الوطني
ما تم في الأفق إلا دبيب من الفرح
والمتعطش مستبسل
أي فطر بهيج أطل من الوسخ المتربع
بين أصابع أقدامهم
والأكف الصغيرة في الضوء
كان لها عفن فستقي
وكان من الشمس لون رحيب
على عنق سلختها السكاكين هذا نبات حزين
وهذا مكان يسمى على كل خارطة
وطنا غريبا
وفي الأرض ملك لصهيون يدان
أضيء أيها المشهد المتواضع للحطة الآدمية
خبر بان النفايات كان فقيرا شريفا
يكد ويطعم مبرزة من جياع
وهذا البهار ألبهاري حثه أم وطفلتها
والذين هنالك ينمون فطرا وخبيزه
في الصفيح صغار
وقد ذبحوا بين أعين أبائهم
كل هذا يقال له وطن
وجلست إلى هذه الطفولة ... ناغيتها
كان صوت حنيني يفوق المجاهل
حضرت هذا النبات العجيب
لقراءة بدائية للتراب أمامي
حفرت بسباتي الطين مستوحشا
رمش الطين بين يدي مقلة لصغير
وبعد كما كان يلعب مفتوحة يرقص الفطر فيها
وأجفلت
كان بها رعب جرارتين تعاقب الحقد فيها
أهلت التراب الرحيم...
ناحت من الدفن
خذني إلى حضن أمي أنام قليلا
بكيت و أطبقتها وأهلت التراب الحزين
وبعد قليل سمعت لغات من النوم تبكي
وكان كأن من الفطر طفل يناغي
أوراقي يا دمامل
أوراقي في فرح الجسد الحي وابتهلي
وانتشر أيها البر غش الزئبقي
ويا روث كن تاج حزني
فإني اكتشفت بأني مستفرد
كأثاث حزين بهذا المزاد الجنوني
كل مزاج فحصني
وتبارت على جسدي الشائعات
فأوقدت قنديلا عشقي
على كل هذا التعاطف بين الطلاب
تبارت كتاباتهم
قلت حزن يشيح
وتصعد في طعون الصداقة والخمر
كل الذين رحلت على مائهم خذلوا قاربي
واكتشفتهم وجدا ولا موسميا
وحين دفنت بأقصى المدينة فانوس حب
بكيت سنينا وما زالت لكن بعيدا عن الناس أبكي
وعلمني الدفن أن أمسح الطين عن أصدقائي
وعلمني الدفن أن يكون من النهر أبدية مائي
وعلمني أعشق الرحم الأزلية لأرض
وامرأتي حين كل النساء
ولن ألتفت رهبة من جديد
فلست بلهف جديد
غدا سأرتمي في جسد يتحرك كالرمل
فاستبعدني فلن ألتفت
ببلاء بكت
ببلاء بكت
ببلاء بلاء بكت
أيها الفحل مزق لها شعرها اللي لكي
فقد خرجت للبغاء مسلحة
صبغت وجهها بكل اللغات
وأعلن كل الأزقة قد راودتها على نفسها
والملوك المواخير قد كتبوا قد كتبوا نعيها في بياناتهم
تركوها تعاني مخاضا دميما
من المرض الهمجي بأصلابهم
من شيوخ الخليج زنت
من شيوخ الحجاز زنت
من شيوخ اليسار ثلثه في اللسان
وثلثاه عند اليمين زنت
كل بارقة لقحتها
وبعض السفارات قد واقعتها سحاقا
فألقوا بها عند باب بامتهان
تعاني من الطلق والخجل المتأخر
ليس لها الآن من أحد غير فانوسها
وطن آخر يولمون عليه
وقد أعلنوا في الدكاكين عنه
ووالي الجزيرة أعطى كثيرا ليأكل سرتها
أيها السادة انصرفوا ..أجهضت
كلما قد كتبتم على رحمها بالمداد الملوث
وأعطت الآن عشرين ألف قتيل فهذي ولادتها
تخرج الآن متعبة
تشتري الخبز في خجل وعفاف نشيطين
كالخبز تعرف جيرانها الفقراء
أزالت مساحيقها....
فضحت سندات الصهاينة المثقلين المكاييل
حتى إذا طفح الكيل خفت موازينهم أمهم هاوية
آه يعقوب... راقب بنيك فما افترس الذئب يوسف
لكنه الحب....
آه من الجب في الأمة العربية آه...
ها قد واقف في العراء أدونهم
حطموا رقما في الخيانة
اجمعهم وأحاكمهم باسم عشرين ألف دم
إن علم عظيم تعلم وكن
العراء الذي يحكم البحر
يأتي بآنية من ندي ذهبي
وصوت النوافذ يكشف أي خواء هناك
لقد هاجرت مدن من مواقعها
ثم شاحنة تنقل السرقات الأنيقة في الأفق
وامرأتان تسران بعضهما
تحت ستر سماء رصاصية
وصراخ رضيع يكوم ليلا
صغيرا على أمه المستباحة
جاء جند سليمان
أيها النمل فادخلوا لمساكنكم
من هنا مر وجه المذابح فاشتعلت هدنة
والصغير بتوق لغمضة عين بلا صرخة
كنت أصحو وأحلم لأتين مقبرة بالقرنفل والحب
أو تحملين رضيعا إلى رجل ميت
كنت فيه مثاليا
صار القرنفل من بعض أنيتي
بالملاحم طرزت ثوبي
إن هذا القرنفل من صلب أنيتي
وكانت لنا قصة أثمرت
ولكن قطعوا الماء عنها فلم يطل السهر
انتظري.... انتظري....
غن نهرا سيأتي ونورق ثانية
إنما ترجعين إذا رجع الماء
واتحد الوطن العربي هزيما
أحبك رغم الحرائق والنهب والقمع
والقهر والسلطات السخيفة
فاستعيديني أنا وطن
ثم شيء غريب
أصحو بلا نجمة؟
أفراش بلا جسد شرس
أي نار تبث الضفادع في هذي الليلة الأبدية
كيف تراقب هذي الضفادع كونا؟
وكيف أحرك قيثارتي في خصم المعارف؟
ماذا تقول عصا قائد الوتريات؟
ثم ارتباك وفوضى....
فإن الخليفة في هذه الظلمات توزن مالأتها
ولذلك أحمل قيثارتي بين قوى الجموع الغفيرة
أنساق انسياق العاشقين للعزف
لكي أبدأ النغمة البدأة
أن عذابي وعشقي قد أعطياني حق التفرد والبدء
ها واقف للقيامة أعطي الإشارة أن نتوحد
فالصحو نجم كما النجم صحو
وكيف الفراش بلا جسد شرس
أعزف العشق فيه
وأعطي فصول التحول
كيف الدخول مع النهر؟
كيف الدخول على النهر؟
كيف البقاء مع النهر؟
يا من جميع المعارف من أجل يومك
كيف تأخرت مستعجلا؟
من تكونين أيتها القوة العبقرية في جسدي
مستعجلا بين عشب البراري
أحاول إيقاظ موتاها
استيقظوا
استيقظوا
استيقظوا
استيقظوا
أيها الناس استيقظوا فهم راكبون عليكم
وإلا فكونوا صحيحا
كل هذا الخراب على النقرس الطيفي
أعوذ بكل العرافة
إن الرياح تنبئني أن طوفان نوح هناك
فابنوا السفينة مكنة
أوقدوا جيدا يا شباب
نرى الخشب السنديان
وكونوا لدى معمل الليل
نعطي لهذه السفينة هيكلها
ولا تبوحوا بسر فإن المطواعين بثت براغيثها
واسمحوا لي أوجه أول أخشاب هذي السفينة
لي خبرة بالبناءات مارستها بوفاء
وأحمل ناري ولا ملك لي
غير حلمي بهذي السفينة
في كل يوم من الجاهلية داويت أخشابها
كنت أستقري اللّه حتى وصلت الدراية
كنت أزيل المعالم خلفي وأترك فيها
محاذرة أن يخادعني الناكصون إلى رجعة
وصعدت...صعدت...صعدت...
وأعطاني الكون أول أسراره في البناء
بأن أبتدئ ولقفا
وأكون أنا خشبا في بنائي
إلا أوقدوا جيدا يا شباب
فأني قد وهن العظم مني
واشتعل الرأس شيبا
ومازلت ألقم نارك يل رب من خشبي وزيتونتي
وأعرف كيف أحب ترابي
فمن لا تراب له لا سماء له
والقناديل قد رجفت
وتوسلت بالزيت أن يستمر
فإن الرياح الكريهة قادمة
والرياح العظيمة قادمة
أيها القادم المستبد جمالا وعذلا وخمرا تعال
كفرت بمن يحملون القواميس في حرب صفين هذي
فأول كل العلوم التراب
فمن لا تراب له لا سماء له
فلك وحساب
أنجم أن المكاييل مهما توازن
فالاختلال الرهيب سيقلب كل المواني
فابنوا السفينة ماكثة
أوقدوا للسفينة كل الشموع الصبا
لنرى ما صنعناه حين المصابيح غابة
ونفحص أنفسنا
ونفحص الناس
نفحص كل الحروب
فإن اختلاط الضحايا مع القاتلين مصاب
أنا واقف في الخراب
أسميه أو لا أسميه عن حذر
إنما هل شبعتم دما
هل شبعتم صبايا وغلمان
من كل هذي السبايا
أحمل المقبرة
وأحاول إيقاظ موتاها

إرسال تعليق

0 تعليقات