أبا مصر ومصدر نعمتيها لـ يعقوب صروف

أبا مصر ومصدر نعمتيها
لقد شاخ الزمان وأنت كهلُ

بنى لك آل فرعون صروحا
عُبدت بها وأنت لذاك أهلُ

فما نفس رأت نعمًا غزارًا
وخصبًا لا يقوم لديه محلُ

وكان الشكر مرمى ناظريها
ورَبُّ الكون لم يدركه عقلُ

بمشركة إذا شكرت صنيعًا
عن الإدراك صانعه يجلُّ

فإنَّ الفضل يعرفه ذووه
وفضل النيل لا يعلوه فضلُ

أبا مصر مضت حقب طوال
وأنت تجود بالخيرات مضرا

تجيء بها من السودان عفوا
وتنثرها على الأرضين نثرا

بحيرات الجنوب لك الجواري
نواصرها لديك تطيع أمرا

فتجرف ترب أحباش ودنكا
وتسبكه فيصبح فيك تبرا

وتحمله على حمر المطايا
تسيل بها البطاح الجرد بجرا

سخاه لا يرى شحّ لديه
وجود البحر عند النيل بخل

أبا مصر أتدري كم شعوب
بواديك استعزّوا ثم هانوا

موات الأرض أحيوه قديما
فحلّ محلّ قاحلها جنان

مهندسهم درى مسح الأراضي
وجرّ الثقل ما كان الوزن

بنوا الأهرام محكمة الزوايا
لديها كل صرح مستهان

لها الشعرى دليل مستمرّ
ونجم القطب ما كرّ الزمان

وفيها من بديع الصنع آي
إلى صنّاعنا لم يوح مثل

هياكلهم كتاب جاء فيه
حديث ملكوهم من قبل مينا

ترى جدرانها والنقش فيها
فتحسبه طلاسم ساحرينا

رآه العرب منذ التح لغزا
فأمسى مغلقا هذي السنينا

ولكن في بلاد الغرب قوم
رأوا جحد المحال هدى ودينا

فأمضوا خيل عزمهم فجلّت
وحازت كشف سرّ الغابرينا

تواريخ وأخبار ووصف
لملك دام لم يدخله فصل

صروح الدين لم يثبت سواها
بوادي النيل من أثر مجيد

تعلّقت النفوس بها فكرّت
دهور وهي في عيش رغيد

يواصلها العواهل بالهدايا
وكهّان الهياكل بالنشيد

وأهل القطر طرّا بالعطايا
لرب الغيب عن كرم وجود

عبادات النفوس الأمر فيها
لآمال النفوس بلا محيد

ومال في سبيل البرّ يعطى
لأفضل ما ازدرعت وتستغلّ

مدافنهم خلود النفس فيها
أدلّته على نهج أنيق

ترى ماضي الدفين كأن سفرا
يترجمه بتفصيل دقيق

مغازيهوما قد نال منها
من الأموال فيئا والرقيق

معيشته وما أعطى وأسدى
وما أولاه في سعة وضيق

وما يرجوه من نعم وزلفى
ونفس الميت آي الحمد تتلو

مفاخر حازها أهلوك دهرا
وأورثها البطالس حين سادوا

مشاعر دينهم حفظوا حراما
وأعلوا في هياكلهم وشادوا

أيمة دينهم أرضوا فأرضوا
لفيف الشعب وارتقت البلاد

وجاء الروم بعدهم فجاروا
وجزّوا الصوف واحتلبوا وقادوا

وبعدهم تتابعت الرزايا
جيوشا تستحثّ وتستزاد

بناء الملك صعب لم يرمه
سوى العظماء والتخريب سهل

أبا مصر مضت حجج طوال
أواصرها التخاذل والفناء

وسلب المال والأرواح عفوا
كأن الخلق أنعام وشاء

وتخريب البلاد فلا زروع
وتشتيت العباد ولا عداء

فضجّ القطر من ظلم وجور
وكم داء يكون به الدواء

فشاء الله أن مضت الليالي
ليالي السوء وأنتشر الضياء

وأرسل آل إصلاح وعدل
وحسب الشعب إصلاح وعدل

إرسال تعليق

0 تعليقات