يا عَينُ جودي لِفَقد البحر بالمطرِ
أَذري الدُموع وَلا تُبقي وَلا تَذَري
لَو رَدَّ تَرديدُ دَمعٍ ذاهِبًا سَبَقَت
شهبٌ وَجَمرٌ بِعَيني جريةَ النَهرِ
تَسقي الثرى فَمَتى لامَ العذولُ أَقُل
دَعها سمائيّةً تَجري عَلى قدرِ
يا سائِلي جهرةً عمّا أُكابده
عَدَتكَ حالي فَما سرّي بمستِترِ
لَم يَعلُ مِنّي سوى أَنفاسي الصُعَدا
ولست أَبصرُ دَمعي غَيرَ منحدرِ
أَقضي نَهاريَ في هَمٍّ وَفي حزَنٍ
وَطولَ ليليَ في فِكرٍ وَفي سَهَرِ
وَغاصَ قلبيَ في بحر الهُموم أَما
تَرى سَقيطَ دُموعي منه كالدررِ
فَرَحمَةُ اللَه وَالرضوانُ يَشملهُ
سلامه ما بَكى باكٍ عَلى عمرِ
بحر العُلوم الَّذي ما كَدَّرَته دِلًا
مِنَ المَسائِل إِن تُشكِل وَإِن تدُرِ
وَالحبر كم حبّرَت طِرسًا يَراعتُهُ
حَتّى يُجانسَ بين الحِبر وَالحِبَرِ
لَم أَنسَ لما يَحُفُّ الطالِبونَ بهِ
مِثلَ الكَواكب إِذ يَحفُفنَ بِالقمرِ
فيقسِمُ العلمَ في مُفتٍ وَمبتَدئٍ
كقسمةِ الغيث بين النبت والشجرِ
وَلَم يَخُصَّ بِبشرٍ منه ذا نَشَبٍ
بَل عمَّهم فَضلُهُ بِالبشر والبِشَرِ
لَقَد أَقامَ مَنارَ الدين متّضحًا
سراجه فأضاء الكونُ لِلبشرِ
في القرن الأَول والقرنِ الأَخيرِ لَقَد
أَحيا لَنا العمران الدينَ عن قدرِ
في الإِسم والعلم وَالتَقوى قَد اِجتَمعا
وَإِنّما اِفترَقا في العصر والعمرِ
لكن أَضاءَ سَراج الدين منفردًا
وَذاكَ مُشتَرِكٌ مَع سَبعَةٍ زُهُرِ
مَن لِلفَضائِل أَو مَن لِلفَواضِل أَو
مَن لِلمَسائِل يُلقيها بِلا ضَجَرِ
مَن لِلفَوائِد أَو من لِلعَوائد أَو
مَن لِلقَواعِد يَبنيها بِلا خوَرِ
مَن لِلفَتاوى وَحَلِّ المشكلات إِذا
جَلَّ الخطاب وَظَلَّ القوم في فِكَرِ
لمَن يَكون اِختلافُ الناس إِن اِتّفقَت
عَمياءُ وَالحكمُ فيها غَيرُ مستطرِ
قالوا إِذا أَعضلَت نبّه لَها عُمَرًا
وَنَم فَمَن بَعدَهُ لِلمُشكِل العسِرِ
من لَو رآه ابنُ إِدريس الإِمامُ إِذًا
أَقرَّ أَو قَرَّ عَينًا منه بِالنَظَرِ
قَد كانَ بالأمّ بَرًّا حينَ هَذَّبها
تَهذيبَ مُنتَصِرٍ لِلحَقّ معتبرِ
تَرى خَوارقَ في اِستنباطه عجبًا
يردّها العقل لَولا شاهِدُ البصرِ
قالَت حواسِدُهُ لمّا رأوا غررًا
مِن بَحثِهِ خُبرها يُربي عَلى الخَبرِ
اللَه أَكبَرُ ما هَذا سِوى ملك
وَحاشَ لِلَّه ما هَذا مِن البشرِ
عَهدي بأَكبرهم قَدرًا بِحضرتهِ
مِثلَ البُغاثِ لدى صقر من الصغرِ
مُحَدِّثٌ قل لِمَن كانوا قَد اِتّفقوا
كَي يَسمَعوا منه فُزتُم منه بالوَطَرِ
علوتمُ فَتَواضعتم عَلى ثقةٍ
لمّا تواضعَ أَقوامٌ عَلى غَرَرِ
مُحَدِّث كم له بِالفَتح مِن مَدَدٍ
تَحقيقُ رَجوى نبيّ اللَه في عمرِ
حَكى الجنيدَ مقاماتٍ بِها كلمٌ
تَذكيرُ ناسٍ وَتَنبيهٌ لمُدّكِرِ
وبابه يتلقّى فيه قاصده
بِشرٌ وَسَهلٌ وَمَعروفٌ بِهِ وَسَري
لَو قال هذي السَواري الخُشب من ذهبٍ
قامَت لَهُ حُجَجٌ يشرِقن كالدررِ
وَإِن تكلّمَ يَومًا في مناظرةٍ
يَدُقُّ مَعناه عَن إِدراك ذي نظرِ
سَل اِبنَ عدلانَ عَن تَحقيقه وَأَبا
حَيّان وَاِعدِل إِذا حُكِّمت واِعتبرِ
مسدَّدُ الرأي حَجّاجُ الخصوم غَدا
في سَعيه خير حجّاج ومعتمرِ
كَم حَجَّةٍ وَغَزاةٍ قَد سما بهما
وكَم حوى عُمَرُ الخَيراتِ مِن عُمَرِ
أَصمَّ ناعيه آذانًا وَقيَّدَ أذ
هانًا وأطلَقَ أَجفانًا لمنكسرِ
سَعى إِلَينا بِهِ يَومَ الوقوفِ فَما
أَجابه الركبُ إِلّا بِالثنا العطرِ
نَعاه في يَوم تَعريفِ الحَجيج فَقَد
ضَجّوا وَعَجّوا أَسىً من حادِث نُكُرِ
يا من لَهُ جنّةُ المأوى غَدَت نُزُلًا
أرقُد هَنيئًا فَقَلبي منك في سعُرِ
حَباكَ رَبُّكَ بِالحُسنى وَرؤيَتِهِ
زِيادةً في رضاه عنك فَاِفتخرِ
أَزال عنك تكاليف الحَياة فَما
تَتلو إِذا شئت إِلّا آخرَ الزمرِ
أَوحشتَ صُحفَ علومٍ كنت تَجمعها
وَمَنزِلًا بك مَعمورًا من الخَفَرِ
لَم يَستَمِلكَ لِشادٍ أَو لِغانِيَة
بَيتٌ مِن الشِعر أَو بَيتٌ مِنَ الشَعَرِ
لَكِن عَكَفتَ عَلى اِستنباط مَسألة
أَو حَلِّ معضِلة أَعيَت عَلى الفِكَرِ
بِالنَصر قمت لِنَصٍّ نستدلّ بِهِ
كالسيفِ دلّ عَلى التأثير بالأثرِ
طَويتَ عنّا بِساطَ العلم معتليًا
فَاِهنأ بمقعد صدقٍ عند مقتدرِ
كنانَةٌ لك مأوى وَهيَ مُنتسَبٌ
الدارُ مصرَ غَدت وَالبَيتُ في مُضَرِ
تَحمي قسيُّ رُكوع مَع سهام دعًا
ساحاتها بك من خاطٍ ومن خطرِ
كَم في كَنانة سهم لم يَصب غرضًا
لمّا بُعدتَ ومن قوسٍ بِلا وَتَرِ
بِضعًا وَستّين عامًا ظَلتَ مُنفَرِدًا
برتبة العلم فيها أَيَّ مشتهرِ
فَما برحتَ مُجِدًّا لِلعُلا يَقِظًا
وَلا اِنتَهيتَ إِلى كأس وَلا وترِ
قَد كنت تَحمي حِمى الإِسلام مُجتَهِدًا
حَتّى تقلّدَ منه الجيد بالدررِ
فَرّقتَ جمع عدوّ الدين حَيث نحَوا
فَجمعُهم بَينَ تأنيث وَمنكسِرِ
طعنتَ غيرَ مُحابٍ في مقالتهم
بِالسَمهَريَّةِ دونَ الوَخزِ بالإِبَرِ
طورًا بِسَيف الهُدى في الملحدين سُطًا
وَتارَةً بسهام الذِكر في التترِ
رزءٌ عَظيم يسرُّ المحلدون بِهِ
كالاِتّحاديِّ وَالشيعيّ وَالقدَري
ليتَ اللَيالي أَبقَت واحِدًا جُمعت
فيهِ هِدايَةُ أَهل النفع وَالضررِ
وَلَيتها إِذ فَدَت عَمرًا فَدَت عُمَرا
بطالبيه وَأَولاهم بذا عمري
هَيهاتَ لَو قبل الموت الفدى بُذِلَت
في الشيخ من غير ثنيا أَنفس البشرِ
عجبي لِقَبرٍ حَواه إِنَّهُ عجب
إِذ بان منه اِتّساعُ الصدر لِلبحَرِ
لَهفي عَلى فقد شيخ المُسلمين لَقَد
جَلَّ المُصابُ وَفيهِ عزَّ مُصطَبري
لَهفي عَلَيهِ سِراجًا كانَ متّقدًا
يَسمو ذكًا بِذَكاء غير منحسرِ
لَولا نَداه خَشينا نارَ فكرته
لكنّه بنداه مطفئُ الشررِ
أَضحى بِنار السراج النيلُ محترِقًا
لمّا قَضى فاِعجَبوا من فطنة النهَرِ
لَهفي وهل نافعي إِبداع مرثية
وَكَيفَ يغنى كَسيرُ القلب بالفِقرِ
لَهفي عليه لِلَيلٍ كانَ يقطعُهُ
نَفلًا وَذِكرًا وَقُرآنًا إِلى السحرِ
لَهفي عَلَيهِ لِعِلمٍ كان يجمعه
يَشُقُّ فيهِ عَلَيهِ فرقةُ السهرِ
لَهفي عَلَيهِ لعافٍ كان يَنفَعه
فعلًا وَقَولًا فَما يؤتى من الحصَرِ
لَهفي عَلَيهِ لضَير كانَ يدفعه
عَن الخَلائق من بَدوٍ وَمِن حضرِ
نَعَم وَيا طولَ حُزني ما حَييت عَلى
عبدالرَحيم فحزني غير مقتصَرِ
لَهفي عَلى حافِظ العصر الَّذي اِشتهرت
أَعلامُه كاِشتِهار الشمس في الظهُرِ
علمُ الحَديث اِنقَضى لمّا قَضى وَمَضى
وَالدهر يَفجَعُ بعد العين بالأثرِ
لَهفي عَلى فَقد شيخيَّ اللَّذَينِ هما
أَعَزُّ عنديَ مِن سَمعي ومن بصري
لَهفي عَلى مَن حَديثي عَن كمالهما
يحيي الرَميم وَيلهي الحيّ عَن سمرِ
اِثنان لَم يَرتَق النسران ما اِرتقيا
نسرُ السَما إِن يلُح وَالأَرضِ إِن يَطِرِ
ذا شِبهُ فخر غِفارٍ لَهجَةً صدقَت
وَذا جُهَينَةُ إِن تسأل عَن الخبرِ
لا يَنقَضي عجبي من وُفق عمرهما
العامُ كالعام حَتّى الشَهرُ كالشهرِ
عاشا ثَمانين عامًا بَعدَها سَنَةٌ
وَربعُ عام سِوى نَقصٍ لمعتَبِرِ
الدين تتبعه الدنيا مَضَت بهما
رَزِيَّةٌ لَم تَهُن يَومًا عَلى بشرِ
بِالشَمس وَهوَ سِراجُ الدين يتبعُهُ
بَدرُ الدياجر زينُ الدين في الأثرِ
ما أَظلمَ الأفق في عيني وَقَد أَفَلَت
شَمسي المنيرةُ عَنّي واِمّحى قَمَري
قَد ذقتُ من بين أَحبابي العَذابَ وهم
لاحَ النعيمُ فَساروا سيرَ مبتدرِ
يا قلبُ ساروا وَما رافقتَهُم فَعَلَوا
إِلى الرَفيق لَدى الجنّات وَالنَهرِ
وَعشتَ بَعدَ نَواهم مظهِرًا جلدًا
تكابدُ الشوق ما أَقساك من حجرِ
وَأَنتَ يا طرفُ لا تنظُر لِغَيرهِمُ
ما أَنتَ عِنديَ إِن تنظُر بذي نظرِ
وَلا يَغُرنّكَ بِشرٌ من خلافهِمُ
وَلَو أَنار فكم نَورٍ بلا ثمرِ
وَقل لأسود عيشي بَعدَ أَبيضِهِ
يا آخرَ الصَفو هَذا أَوَّلُ الكدَرِ
ما بَعدهم غايَة يا موت تطلبها
بلغتَ في الأُفق المرَقى فَلا تَطِرِ
بدورُ تِمٍّ خلَت منهم مَنازلُهم
فَالقَلبُ ذو كَمَدٍ وَالطَرفُ ذو سهرِ
غصون روضٍ ذوَت في التُربِ أَوجهُهم
واوحشتاهُ لذاك المنظرِ النضرِ
دَمعي عَليهم وَشعري في رثائهُم
كالدرّ ما بين مَنظومٍ وَمنتثِرِ
دارَت كؤوسُ المَنايا حينَ غِبتُ عَلى
أَحباب قَلبي فَلَيت الكأس لم تدُرِ
حرَصتُ أَنّي أَلقاهم فَفاتَ فَقَد
زهدتُ في وَطَني إِذا فاتَني وطري
لَكِن رَجاءُ لِقا قاضي القضاة جَلا
لِ الدين حَثَّ عَلى أَوبي من السفرِ
وليُّ عَهدِ أَبيهِ كان نصَّ عَلى اس
تخلافه فَاِنتَظر يا خير منتظَرِ
فتيُّ سنّ وَفي المِقدارِ شبهُ أب
هَذا اِتِّفاقُ فتاء السنّ والكِبَرِ
جارى أَباه وَأَخلِق أَن يُساويَهُ
وَالبَدرُ في شفق كالبَدر في السحَرِ
لَهُ مَناقِبُ تَسري ما سَرى قَمَرٌ
وسيرةٌ سار فيها أَعدلَ السيرِ
عِلمٌ وَحلم وعدل شامل وتُقىً
وعفّة وَنوال غَيرُ منحصرِ
خَلائِقٌ في العلا لمّا سمَت وَحَمت
فاحَت وَلاحَت لنا كالزُهرِ وَالزَهَرِ
يا كامِلَ الأَصل داني الوصل وافرَه
بَسيطَ فَضلِ العَطايا غَيرَ مختصرِ
يا سَيّدًا في المَعاني طال مطلبُهُ
ملكتَها عنوةً بالحقّ فاِقتصرِ
إِن فُهتَ بالفقه فُقتَ الأقدمين ذكًا
وَصُلتَ بِالحَقّ صولَ الصارِم الذَكَرِ
وَإِن تكلّمتَ في الأَصلين فاِعلُ وطُل
وَقُل وَلا فخرَ ما الرازي بمفتخِرِ
وَإِن تفسِّر تُحَقِّق كُلَّ مشتبِهٍ
فَسَيفُ ذهنك شَفّافٌ عَلى الطبري
وَلَيسَ يَرفَعُ رأسًا سيبويهِ إِذا
نَصبتَ لِلنَحو طَرفًا غير مُنكَسِرِ
ومن قَديم زَمان في الحَديث لَقَد
رقيتَ في الحفظ وَالعليا إِلى الزُهُرِ
مَولايَ صَبرًا فَما يَخفاك أَن لَنا
في رزئنا أُسوةً في سيّد البشرِ
وَاِعذُر محبَّك في إِبطاء تعزِيَةٍ
لِغربةٍ ظَلتُ منها أَيَّ معتذرِ
وَلا تَقولَنَّ لي في غير مَعتَبَةٍ
عَليَّ لما أَطَلتُ المكثَ في سَفَري
أَبعدَ حَولٍ تُناجينا بِمَرثيَةٍ
هَلّا وَنَحنُ عَلى عَشرٍ مِن العُشُرِ
وحقّ حبّكِ لَولا القربُ منك لما
راجعتُ فكري ولا حقّقتُ في نظري
بأي ذِهنٍ أَقولُ الشعرَ كُنتُ وَبي
غَمٌّ يَغُمُّ عَلى الأَلباب وَالفكَرِ
فِكرٌ وَحزنٌ بِقَلبي في الحشا سَكَنا
وَغربَةٌ ظَلتُ فيها أَيَّ منكسِرِ
هَذا عَلى أَنَّ رُزءَ الشيخ لَيسَ لَهُ
عِندي اِنقِضاءٌ إِلى أَن يَنقَضي عمُري
فَقَدتُ في سَفَري إِذا فاتَ منه دعًا
فَالفقدُ أَوجدُ ما لاقيتُ في سَفَري
دامَت عَلى لحده سحب الرضى دِيَمًا
ما ناحَت الورقُ في الآصال والبكرِ
أَيقنت أَنَّ رياضًا قبرُهُ فَهَمَت
عيني عليه بمنهلٍّ ومنهمِرِ
وَدُم لَنا أَنتَ ما عَنَّ الهلال وما
غنّى المطوَّقُ في زاهٍ من الزهرِ
وَدام بابُك مَخدومًا بأَربعةٍ
العِزِّ والنصر والإِقبال والظفَرِ
0 تعليقات