يقول أبو سُفيانَ أودى مُحمدٌ
قتيلًا ويأبى الشيخُ إلا تماديا
فلما أراد الحقَّ أقبل سائلًا
فأبدى له الفاروقُ ما كان خافيا
وقال له لا يَعْلُ صوتُك إنّه
لَيسمعُه مَن جاءَ بالحقّ هاديا
كذلك ظنّ القومُ إذ طاحَ مُصعَبٌ
فراحوا سُكارى يُكثرون الدعاويا
وَريعتْ قلوبُ المؤمنين فأجفلوا
يخافون من بعد النبيِّ الدواهيا
وزُلزِلَ قومٌ آخرون فأدبروا
سِراعًا يَجرُّونَ الظُّبَى والعواليا
يقولون ما نبغي وهذا نبيُّنا
تردَّى قتيلًا ليته كان باقيا
فما أقبلوا حتّى انبرت أُمُّ أيمنٍ
وقد جاوزَ الغيظُ الحشا والتراقيا
تُدافِعُهم غضبَى وتحثو ترابها
تُعفِّر منهم أوجُهًا ونواصيا
تقول ارجعوا ما بالمدينة منزلٌ
يُبارِكُ منكم بعد ذلك ثاويا
أمِن ربّكم يا قومُ تبغون مهربًا
فيا ويحكم إذ تتَّقون الأعاديا
ألا فانصروا الدّينَ القويمَ وجاهدوا
جِهادًا يُرينا مصرعَ الشِّركِ داميا
فَمن خاف منكم أن يعودَ إلى الوغى
فذا مغزلي وليعطني السَّيفَ ماضيا
لكِ الخيرُ لو تدرينَ ما قال معتبٌ
لأرسلتِ شُؤبوبًا من الدمعِ هاميا
جزى الله ما قدَّمتِ يا أمَّ أيمنٍ
من الخيرِ تقضينَ الحُقوقَ الغواليا
تَطوفينَ بالجرحَى تُواسِينَ شاكيًا
يَمُجُّ دمًا منهم وتسقين صاديا
سعَى بك من إيمانِك الحقِّ دائبٌ
يَفوتُ المدى الأقصى إذا جدَّ ساعيا
عَجِبتُ لمن يَرمِيك ماذا بدا له
أطاشتْ يداهُ أم رمى منك غازيا
ألم ير هندًا يرحم السَّيفُ ضعفَها
فَيَصدف عنها وافِرَ البرِّ وافيا
تَورَّعَ عنها مُؤمنٌ ليسَ دينهُ
كدينِ حُبابٍ إنّه كان غاويا
جَزاهُ بها سعدٌ إساءَة ظالمٍ
فأمسى رسولُ اللهِ جذلانُ راضيا
وإذ أنزل الله النعاس فأمسكت
جوانح لولا الله ظلت نوازيا
كذلك إيمان النُّفوسِ إذا رَسَتْ
قَواعِدُه أمستْ ثِقالًا رواسيا
يَنامُ الفتَى والموتُ يلمس جَنبَه
ويَرجِعُ عنه واهنَ الظّفرِ واهيا
يُجانِبُهُ حتّى إذا جاءَ يَومُه
فأبعدُ شيءٍ أن يُرَى منه ناجيا
فما اسطعتَ فاجعل مِن يقينك جُنَّةً
كفى بيقينِ المرءِ للمرءِ واقيا
***
هَوتْ من عيونِ الهاجِعينَ سَناتُها
ولاحتْ عُيونُ الحربِ حُمرًا روانيا
وهبَّ أميرُ الغيلِ يدفعُ دونه
ويُولِعُ بالفتكِ اللّيوثَ الضواريا
يُزلزِلُ أبطالَ الكريهةِ مُقدمًا
ويَصرعُهم في حَوْمَةِ البأسِ داميا
توالت جراحاتُ الكَتومِ فأسأَرتْ
بهم أثرًا من ساطعِ الدّمِ باديا
تضِنُّ بنجواها وتكتُم صوتَها
لِيَخْفى من الأسرارِ ما ليس خافيا
تظلُّ شظاياها تَطايَرُ حوله
وللرّمْيِ ألهُوبٌ يُواليه حاميا
هو القائد الميمونُ ما خاض غمرةً
فغادرها حتَّى يَرى الحقَّ عاليا
أبا طلحةَ انْظُر كيف يرمِي وجارِهِ
قضاءً على القومِ المناكيدِ جاريا
ويا سعدُ لا ترفَقْ بقوسكَ وَارْمِها
سِهامًا أصابت من يدِ اللّهِ باريا
ودونك فاضربْ يا سهيلُ نُحورهَم
ودعني أصِفْ للنّاسِ تلك المرائيا
وعينَك فَاحْمِلْ يا قتادةُ عائذًا
بمن لا ترى مِن دونه لك شافيا
ألا ليتني أدركتُ أمَّ عمارةٍ
فألثُم منها مَوطِئَ النّعلِ جاثيا
وأشهدُ من حولِ النبيِّ بلاءَها
وأُنشِدُها في اللّهِ هذي القوافيا
وأجعلُ من وجهِي وَقاءً لوجهها
إذا ما رماها مُشرِكٌ من أماميا
ويا ليتَ أنّي قد حملتُ جِراحَها
وكنتُ لها في المأزقِ الضّنكِ فاديا
تَفِيضُ على الجرحى حنانًا وتَصطلِي
من الحربِ ما لا يصطلي اللّيثُ عاديا
كذلك كان المسلمونَ وهذه
سجايا اللواتي كنَّ فيهم دراريا
إذا الحادثاتُ السّودُ عبَّ عُبابها
كَففنَ البلايا أو كشفنَ الدياجيا
مَناقِبُ للدنيا العريضةِ هِزَّةٌ
إذا ذُكِرتْ فَلْيَشدُ من كان شاديا
لها من معاني الخُلدِ كلُّ بديعةٍ
فيا ليتَ قومي يفهمون المعانيا
ووأسفي إن لم تَجِدْ من شُيوخِهم
حَفِيظًا يُلقَّاها ولم تُلْفِ واعيا
إذا ما رأيتَ الهدمَ للقومِ دَيْدَنًا
فوارحمتا فيهم لِمَنْ كان بانيا
0 تعليقات