ألا هكذا فَلْيُهْدِ مَن قاد عسكرا
وأوردَ عن رأي الإمام وأصدَرا
هديَّةُ مَن أعطى النَّصيحةَ حقّها
وكانَ بما لم يُبصِرِ الناسُ أبصَرا
ألا هكذا فلتُجْلَبِ العِيسُ بُدَّنًا
ألا هكذا فلتُجنَبِ الخيلُ ضُمَّرا
مُرَفَّلَةً يسْحبنَ أذيالَ يُمنَةٍ
ويركُضْنَ ديباجًا وَوَشْيًا مَحبَّرا
تَراهُنَّ أمثالَ الظباءِ عَواطِيًا
لَبِسنَ بِيبَرينَ الربيعَ المُنَوَّرا
يُمَشِّينَ مشيَ الغانياتِ تهاديًا
عليهنَّ زِيُّ الغانِياتِ مُشَهَّرا
وجَرَّرنَ أذيالَ الحِسان سوابغًا
فعلَّمْنَ فيهنَّ الحِسانَ تَبختُرا
فلا يَستُرَنَّ الوَشيُ حُسنَ شِياتِها
فيَسْتُرَ أحلى منه في العين منظَرا
تَرى كلَّ مكحول المدامعِ ناظِرًا
بمقلةِ أحوى ينفُضُ الضَّأل أحورا
فكمْ قائِلٍ لمّا رآها شوافِنًا
أمَا تركوا ظَبيًا بتَيماءَ أعفرا
وما خِلتُ أنَّ الروْضَ يختالُ ماشِيًا
ولا أن أرَى في أظهُرِ الخيل عَبقرا
غداةَ غدتْ من أبلقٍ ومُجَزَّعٍ
ووردٍ ويَحمومٍ وأصدى وأشقرا
ومن أدرَعٍ قد قُنِّعَ الليلَ حالكًا
على أنّه قد سُرْبلَ الصبحَ مُسفِرا
وأشعلَ ورديٍّ وأصفرَ مُذْهَبٍ
وأدهمَ وضّاحٍ وأشهبَ أقمرا
وذي كُمْتَةٍ قد نازَعَ الخمرَ لونَها
فما تدَّعيهِ الخمرُ إلاّ تنمَّرا
محجَّلَةً غُرًّا وزُهرًا نواصعًا
كأنَّ قُباطِيًّا عليها مُنشَّرا
ودُهْمًا إذا استقبلْنَ حُوًّا كأنّما
عُلِلنَ إلى الأرساغ مسكًا وعنبرا
يُقِرُّ بعيني أن أرى من صِفاتِها
ولا عجبٌ أن يُعجِبَ العينَ ما تَرى
أرى صُوَرًا يستعبدُ النفسَ مثلُها
إذا وجدتْهُ أو رأتْهُ مُصَوَّرا
أُفَكِّهُ منها الطَّرْفَ في كلِّ شاهِدٍ
بأنَّ دليلَ اللّهِ في كلِّ ما برا
فأخلِسُ منها اللحظَ كلَّ مُطَهَّمٍ
ألَذَّ إلى عينِ المُسَهَّدِ مِن كرَى
وكلَّ صَيودِ الإنسِ والوحش ثم لا
يُسائلُ أيٌّ منهُمُ كان أحضَرا
تَوَدُّ البُزاةُ البِيضُ لوْ أنّ قوتَها
عليه ولم تُرْزَقْ جَناحًا ومِنْسَرا
وَوَدَّتْ مهاةُ الرَّمل لو تُركتْ لهُ
فأعطَتْ بأدنَى نظرةٍ منه جُؤذَرا
ألا إنّما تُهدَى إلى خير هاشمٍ
وأفضلِ مَن يَعلو جَوادًا ومنبَرا
مَنِ استَنَّ تفضيلَ الجِياد لأهلِها
فأوطأهَا هامَ العِدى والسَّنوَّرا
وجَلَّلَها أسلابَ كلِّ مُنافِقٍ
وكلِّ عنيدٍ قد طغى وتجبَّرا
وقلَّدها الياقوتَ كالجمرِ أحمرًا
يُضيءُ سَناهُ والزُّمرُّدَ أخضرا
وقَرَّطَها الدُّرَّ الذي خُلقَتْ لهُ
وِفاقًا وكانتْ منه أسْنى وأخْطرا
فكم نظمِ قُرطٍ كالثُّريّا مُعَلَّقٍ
يزيدُ بها حُسنًا إذا ما تمَرمَر
وكم أُذُنٍ من سابحٍ قد غدتْ بهِ
يُناطُ عليها مُلْكُ كِسرى وقيصرا
تحلّى بما يستغرِقُ الدهرَ قيمةً
فتختالُ فيه نخوةً وتكبُّرا
وما ذاك إلاّ أن يُخاضَ بها الرَّدى
فتَنهَشَ تِنّينًا وتَضْغَمَ قَسْوَرا
فطَورًا تُسقّى صافيَ الماءِ أزرقًا
وطَورًا تُسقّى صائكَ الدمِ أحمرا
لذاك ترى هذا النُّضارَ مُرصَّعًا
عليها وذاكَ الأتْحميَّ مُسيَّرا
إذا ما نَسيجُ التِّبرِ أْضحى يُظلُّها
أفاءَ لها منْهُ غمامًا كَنَهْوَرا
وأهْلٌ بأنْ تُهْدَى إليه فإنّهُ
كَناها وسمّاها وحَلّى وسَوَّرا
وأسكنَها أعْلى القِبابِ مَقاصِرًا
وأحسنَها عاجًا وساجًا ومَرْمَرا
وبَوَّأها من أطَيبِ الأرضِ جَنّةً
وأجرى لها من أعذبِ الماءِ كوثرا
يُجِدُّ لها في كلِّ عامٍ سُرادقًا
ويَبني لها في كلِّ عَلياء مَظهرا
ألا إنّما كانت طلائعُ جوهَرٍ
ببعضِ الهدايا كالعُجالةِ للقِرى
ولو لم يُعجِّلْ بعضَها دون بعضِها
لضاقَ الثَّرى والماءُ طُرْقًا ومعبَرا
أقولُ لِصَحْبي إذ تلقَّيْتُ رُسْلَهُ
وقد غَصَّتِ البيَداءُ خُفًّا ومَنسِرا
وقد مارَت البُزلُ القناعيسُ أجبُلًا
وقد ماجَتِ الجُرْدُ العناجيجُ أبحُرا
فطابَتْ ليَ الأنْباءُ عنهُ كأنّهُ
لَطائمُ إبْلٍ تحملُ المِسكَ أذفَرا
لعَمري لئن زانَ الخلافةَ ناطِقًا
لقد زانَ أيّامَ الحروبِ مُدبِّرا
تَضِجُّ القَنَا منْهُ لمَا جَشَّمَ القَنَا
وتَضْرَعُ منه الخيلُ والليل والسُّرَى
هو الرمحُ فاطعنْ كيفَ شئتَ بصدره
فلن يَسأمَ الهيجا ولن يتكسَّرا
لقد أنجَبَتْ منه الكتائبُ مِدْرَهًا
سريعَ الخُطى للصّالحاتِ مُيسَّرا
وصَرَّفَ منه الملكُ ما شاء صارمًا
وسهمًا وخَطّيًّا ودِرعًا ومِغفرا
ولم أجدِ الإنسانَ إلاّ ابنَ سعيهِ
فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهِمَّةِ العَلياءِ يُرقى إلى العلى
فمن كان أرقى هِمّةً كان أظهرا
ولم يتَأخَّرْ مَن يريد تقدُّمًا
ولم يتَقَدَّمْ من يريد تأخُّرا
وقد كانتِ القوّادُ من قبلِ جوهرٍ
لَتَصْلَحُ أن تسعَى لِتخدمَ جوهرا
على أنهم كانوا كواكبَ عصرهم
ولكن رأينا الشمسَ أبهى وأنوَرا
فلا يُعْدِمَنَّ اللّهُ عبدَكَ نَصْرَه
فما زالَ منصورَ اليدَين مُظفَّرا
إذا حاربتْ عنهُ الملائكةُ العِدى
ملأنَ سماءَ اللّه باسمكَ مُشعَرا
وما اخترْتَه حتى صفا ونفى القَذى
بلِ اللّهُ في أُمِّ الكتابِ تخيَّرا
ووكَّلْتَهُ بالجيشِ والأمْرِ كلِّهِ
فوكَّلت بالغِيلِ الهِزَبرَ الغضَنفرا
كأنّكَ شاهدْتَ الخفايا سوافرًا
وأعجلتَ وجهَ الغيبِ أن يتَستَّرا
فعُرِّفْتَ في اليْوم البصيرَةَ في غدٍ
وشاركتَ في الرَّأي القضاءَ المقدَّرا
وما قِيسَ وَفُر المال في كلِّ حالةٍ
بجودك إلاّ كان جودُكَ أوفرا
فلا بُخُلٌ يا أكرمَ النّاس مَعشَرًا
وأطيَبَ أبناءِ النبيِّينَ عُنصُرَا
فإنّك لم تترُكْ على الأرْض جاهِلًا
وإنّك لم تترُكْ على الأرْض مُعسِرا
ألا انظُرْ إلى الشمس المنيرةِ في الضحَى
وما قَبضَتْهُ أو تَمُدُّ على الثرى
فأثْقَبُ منها نارُ زَنْدِكَ للقِرى
وأشهرُ منها ذِكرُ جودك في الورى
بلغتُ بك العليا فلم أدنُ مادحًا
لأسألَ لكنّي دنوتُ لأشكُرا
وصدَّقَ فيكَ اللّهُ ما أنا قائِلٌ
فلستُ أُبالي مَن أقَلَّ وأكثرا
ما شِئتَ لا ما شاءَتِ الأقْدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنْتَ النبيُّ مُحمّدٌ
وكأنّما أنصارُكَ الأنصارُ
أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرُنَا بهِ
في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ
هذا إمامُ المتَّقينَ ومَنْ بهِ
قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار
هذا الّذي تُرْجَى النجاةُ بحُبِّهِ
وبه يُحَطُّ الإصْرُ والأوزار
هذا الذي تُجدي شفاعتُه غدًا
حقًّا وتخمُدُ أنّ تراهُ النّار
من آل أحمدَ كلُّ فخْرٍ لم يكُنْ
يُنْمَى إليهم ليس فيه فَخار
كالبدرِ تحتَ غَمامةٍ من قَسطَلٍ
ضَحْيانُ لا يُخفيهِ عنك سِرار
في جَحْفَلٍ هَتَمَ الثنايا وَقْعُه
كالبحر فهو غُطامِطٌ زَخّار
غَمَرَ الرِّعانَ الباذخاتِ وأغرَقَ ال
قُنَنَ المُنيفةَ ذلك التَّيّار
زَجِلٌ يُبِرِّحُ بالفضاءِ مَضِيقُهُ
فالسهْلُ يَمٌّ والجبِالُ بحار
للّه غزْوَتُهم غداةَ فراقسٍ
وقد استُشِبَّتْ للكريهةِ نار
والمُستظِلُّ سماؤهُ من عِثْيَرٍ
فيها الكواكبُ لَهْذمٌ وغِرار
وكأنَّ غَيضاتِ الرِّماحِ حدائقٌ
لُمَعُ الأسِنّةِ بينها أزهار
وثمارُها من عِظْلِمٍ أو أيْدَعٍ
يَنَعٍ فليس لها سواه ثِمار
والخيلُ تَمْرَحُ في الشَّكيمِ كأنّها
عِقبانُ صارَةَ شاقَها الأوكار
من كلِّ يعْبوبٍ سَبوحٍ سلْهَبٍ
حَصُّ السّياطِ عِنانُه الطيّار
لا يَطّبيهِ غيرُ كَبّةِ مَعْرَكٍ
أو هَبْوَةٌ من مَأقِطٍ ومَغار
سَلِطُ السنابك باللُّجَينِ مُخَّدمٌ
وأُذيبَ منْه على الأديم نُضار
وكأنَّ وفْرَتَهُ غَدائِرُ غادةٍ
لم يَلْقَها بُؤسٌ ولا إقْتار
وأحَمُّ حَلْكُوكٌ وأصفرُ فاقِعٌ
منها وأشهبُ أمهقٌ زَهّار
يَعْقِلنَ ذا العُقّال عن غاياتِهِ
وتقولُ أن لنْ يَخطُرَ الأخطار
مَرّتْ لغايتِها فلا واللّهِ ما
عَلِقَتْ بها في عَدْوِها الأبصار
وجَرَتْ فقلتُ أسابحٌ أم طائرٌ
هَلاّ استشَارَ لوَقعِهِنَّ غُبار
من آلِ أعوَجَ والصريح وداحسٍ
فيهنَّ منْها مِيسَمٌ ونِجار
وعلى مَطاها فِتيَةٌ شِيعيّةٌ
ما إن لها إلاّ الوَلاءَ شِعار
مِن كلِّ أغلبَ باسلٍ مُتخَمِّطٍ
كاللَّيْثِ فهو لقِرنه هَصّار
قَلِقٌ إلى يوم الهِياجِ مُغامرٌ
دَمُ كلِّ قَيْلٍ في ظُباهُ جُبار
إنْ تخْبُ نارُ الحْرب فهو بفتكِهِ
مِيقادُهَا مِضرَامُها المِغْوار
فأداتُهُ فَضْفاضَةٌ وتَريكَةٌ
ومثقَّفٌ ومُهنَّدٌ بتّار
أُسْدٌ إذا زارت وِجارَ ثعالِبٍ
ما إنْ لهَا إلاّ القلوبَ وِجار
حَفّوا براياتِ المُعِزِّ ومَن بهِ
تَسْتَبشِرُ الأملاكُ والأقطار
هل للدُّمستق بعد ذلك رَجْعَةٌ
قُضِيَتْ بسيفك منهمُ الأوطار
أضْحَوْا حصِيدًا خامدين وأقفرتْ
عَرَصَاتُهُمْ وتعطّلَتْ آثار
كات جِنانًا أرضُهم معروشةً
فأصابها من جيشه إعصار
أمْسَوْا عشاءَ عروبةٍ في غِبطةٍ
فأناخَ بالموْتِ الزّؤامِ شِيار
واستقطع الخَفَقانُ حَبَّ قلوبهم
وجلا الشرورَ وحُلَّتِ الأدعار
صدعت جيوشُك في العجاج وعانشتْ
ليلَ العَجاجِ فوِرْدُها إصدار
ملأوا البلادَ رغائبًا وكتائبًا
وقواضبًا وشوازبًا إن ساروا
وعواطفًا وعوارفًا وقواصفًا
وخوانِفًا يشتاقُها المِضمار
وجَداولًا وأجادلًا ومَقاولًا
وعواملًا وذوابلًا واختاروا
عكسوا الزّمانَ عَواثنًِا ودواخنًِا
فالصُّبْحُ ليلٌ والظَّلامُ نهار
سفَرُوا فأخلتْ بالشموس جباهُهُمْ
وتَمَعْجَرَتْ بغَمامها الأقمار
ورَسَوْا حِجىً حتى استُخِفَّ متالعٌ
وهَمَوا نَدىً فاستحيتِ الأمطار
وتَبَسَّموا فزَها وأخصَبَ ماحِلٌ
وافترَّ في رَوضاتِه النُّوّار
واستبسلوا فتخاضَعَ الشُّمُّ الُّذرَى
وسَطَوْا فذَلَّ الضيغمُ الزَّأآر
أبناءَ فاطمَ هل لنا في حشرِنا
لَجَأٌ سواكم عاصم ومجار
أنتم أحِبّاءُ الإلهِ وآلُهُ
خُلفاؤهُ في أرضهِ الأبرار
أهلُ النبوَّةِ والرِّسالةِ والهُدى
في البيّناتِ وسادةٌ أطهار
والوحيِ والتّأويلِ والتَّحريمِ وال
تحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكار
إن قيل مَن خيرُ البريّة لم يكُنْ
إلاّكُمُ خَلْقٌ إليه يُشار
لو تلمسونَ الصَّخرَ لانبجستْ بهِ
وتفجَّرَتْ وتدفّقَتْ أنهار
أو كان منكُمْ للرُّفاتِ مُخاطِبٌ
لَبَّوا وظنّوا أنّه إنشار
لستَمْ كأبناء الطليقِ المُرتدي
بالكُفْرِ حتى عضَّ فيه إسار
أبناءَ نتْلَةَ ما لكم ولمعشرٍ
هُمْ دوحةُ اللّهِ الذي يختار
رُدُّوا إليهم حقَّهم وتنكَّبوا
وتَحَمَّلوا فقد استحمَّ بَوار
ودَعوا الطّريق لفضلهم فهم الأُلى
لهُمُ بمَجْهَلةِ الطريقِ مَنَار
كم تَنهضُونَ بعبءِ عارٍ واصِمٍ
والعارُ يأنَفُ منكُمُ والنَار
يُلهِيهِمُ زَمْرُ المثاني كلّما
ألهاكُمُ المَثْنِيُّ والمِزْمار
أمُعِزَّ دينِ اللّه إنّ زمانَنا
بكَ فيه بَأوٌ جَلَّ واستكبار
ها إنّ مَصَر غداةَ صرْتَ قَطينَها
أحْرَى لتحسدها بك الأقطار
والأرضُ كادت تفخَرُ السبْعَ العلى
لولا يُظِلُّكَ سقفُها المَوّار
والدّهرُ لاذَ بحَقوَتيكَ وصرفُه
ومُلوكُهُ وملائكٌ أطوار
والبحرُ والنِّينانُ شاهدةٌ بكم
والشّامخاتُ الشُّمُّ والأحجار
والدَّوُّ والظُّلمانُ والذُّؤبانُ وال
غِزلانُ حتى خِرنِقٌ وفُرار
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك ال
أرزاقُ والآجالُ والأعمار
عطِرت بك الأفواه إذ عذبت لك ال
أمواه حينَ صَفَتْ لكَ الأكدار
جلَّتْ صِفاتُكَ أن تُحَدَّ بِمقوَلٍ
ما يصْنعُ المِصْداقُ والمِكثار
واللّهُ خصَّكَ بالقُرانِ وفضلِه
واخجلتي ما تَبلُغُ الأشعار
0 تعليقات