سَقَتْني بما مَجّتْ شِفاهُ الأراقِمِ
وعاتَبَني فيها شِفارُ الصَّوارم
عَدَتنيَ عنها الحرْبُ يُصرَفُ نابُها
وصَلصَالُ رَعْدٍ في زئيرِ الضَّراغم
فكيْفَ بها نَجْدِيّةً حال دونَها
صَعاليكُ نجْدٍ في مُتون الصَّلادم
أتى دونَها نَأيُ المزارِ وبُعْدُهُ
وآسادُ أغْيالٍ وجِنُّ صَرائم
وأشْوَسُ غَيرانٌ عليها حُلاحِلٌ
طويلُ نجاد السيْفِ ماضي العزائم
ولو شِئْتُ لم تبْعُدْ عليّ خِيامُها
ولو طُنِّبَتْ بين النُّجومِ العواتم
وباتَ لها منّي على ظَهْرِ سابِحٍ
أشَمُّ أبيُّ الظُّلْمِ من آلِ ظالم
وأسْهَرَهَا جَرُّ الرّماحِ على الثرى
بأيدي فُتُوِّ الأزدِ صُفْرِ العمائم
فهَلْ تُبْلِغَنّيها الجيادُ كأنّها
أعِنّتُها من طولِ لَوكِ الشّكائم
منَ الأعْوَجيّاتِ التي ترزُقُ الغِنى
وتَضْمَنُ أقواتَ النُّسورِ القشاعم
من اللاّءِ هاجتْ للنّوى أرْيَحِيّتي
وهزّتْ إلى فُسْطاط مصرَ قَوادمي
فشيَّعتُ جيشَ النصرِ تشييعَ مُزْمعٍ
وَوَدّعْتُهُ توديعَ غيرِ مُصارم
وقد كدتُ لا ألوي على مَن تركتُهُ
ولكنْ عَداني ما ثنى من عَزائمي
ولو أنّني استأثرْتُ بالإذنِ وحدَهُ
لَسِرْتُ ولم أحْفِلْ بلومةِ لائم
طَرِبْتُ إلى يومٍ أُوَفّيه حَقَّهُ
لِيعْلَمَ أهلُ الشعرِ كيف مُقاومي
أصَبُّ إلى مِصْرٍ لِساعَةِ مَشْهَدٍ
يَعَضُّ لها غُيّابُها بالأباهم
فإنْ لم أُشاهِدْ يومَها مِلْءَ ناظري
أُشاهِدْهُ ملءَ السمْع ملء الحيازم
وقد صَوّرَتْ نفسي ليَ الفتحَ صورةً
وشامتْهُ لي من غيرِ نظرةِ شائم
كذاك إذا قام الدليلُ لذي النهى
على كوْنِ شيءٍ كان ضربةَ لازم
على أنّني قَضّيْتُ بعضَ مآربي
وأقرَرتُ عيني بالجيوش الخَضارم
وآنَسْتُ من أنصارِ دولةِ هاشمٍ
جَحاجِحَةً تَسْعَى لدولةِ هاشم
ويممت في طرق الجهاد سبيلهم
لأصلى كما يصلون لفح السمائم
وفارقتُهم لا مؤثِرًا لفراقهم
ولا مستخفًّا بالحقوقِ اللوازم
فلِلّهِ ما ضَمَّ السُّرادِقُ والتقَتْ
عليه ظلالُ الخافقاتِ الحوائم
فثَمّ مصابيحُ الظّلام وشيعةُ ال
إمامِ وأُسْدُ المأزِقِ المُتَلاحم
وفي الجيش مَلآنٌ به الجيشُ باسطٌ
يَديهِ بقِسطاسٍ من العدل قائم
مُدبِّرُ حَربٍ لا بَخِيلٌ بنفسِهِ
عليها ولا مُستأثِرٌ بالغنائِم
ولا صارِفٌ راياتِهِ عن مُحارِبٍ
ولا مُمْسِكٌ معروفَهُ عن مُسالم
وللصّارخِ الملهوفِ أوّلُ ناصرٍ
وللمُتْرَفِ الجبّارِ أوّلُ قاصم
فلا عبْقَرِيٌّ كان أو هو كائِنٌ
فرَى فَريَهُ في المُعضِلاتِ العظائم
كذلك ما قاد الكتائبَ مثلُهُ
لإنصافِ مظلومٍ ولا قمعِ ظالم
ولم يتَجَمّعْ لامرىءٍ كان قبلَهُ
خِضابُ العَوالي واجتنابُ المآثم
رِضاكَ ابنَ وحيِ اللّهِ عنه فإنّهُ
رَعَى أولياءَ اللّهِ رعْيَ السوائم
إذا اختلفوا في الأمرِ ألّفَ بينهُم
طبيبٌ بأدواءِ النفوسِ السّقائم
فلا رأيُه في حالةٍ يَتْبَعُ الهوَى
ولا سَمْعُهُ مُستَوْقِفٌ للنّمائم
جَزَتْهُ جَوازي الخيرِ عنهُمْ فإنّهُ
سَقاهم بشُؤبوبٍ من العدِل ساجم
فقد سارَ فيهِمْ سيرةً لم يسِرْ بها
من النّاس إلاّ مثلُ كعبٍ وحاتم
أفاءَ عليهم ظِلَّ أيامكَ التي
زُهِينَ بأيّامِ العُلى والمكارم
وما غال جيشَ الشرْق قبلَكَ غائلٌ
ولاسِيّما بعدَ العَطايا الجسائم
وبعدَ صِلاتٍ ما رأى النّاسُ مثلَها
ولا حُدِّثوا في السالفِ المُتقادم
أولئك قوْمٌ يَعْلَمُ اللّهُ أنهم
قدِ اقتَسَموا الدّنيا اقتسامَ المغانم
فكم ألْفِ ألْفٍ قد غدَوا يطَأونها
بأقْدامِهِمْ وطءَ الحصَى بالمناسِم
ولو كنْتُ ممّن يَسْتريبُ عِيانَهُ
ويُدرِكُهُ فيما رَأى وَهْمُ واهم
لحدّثْتُ نفْسي أنّني كنتُ حالمًا
وإن لمْ أكُنْ فيما رأيتُ بحالم
فلا يسْألَنّي مَن تخلَّفَ عَنهُمُ
فيَقْرَعَ في آرائِه سِنَّ نادم
لعَمْري همُ أنصارُ حقٍّ وكلُّهُمْ
من المجْدِ في بيتٍ رفيعِ الدعائم
لقد أظهروا من شكرِ نعمةِ ربِّهم
وقائِدِهم ما لسْتُ عنه بنائم
وإنّيَ قد حُمِّلْتُ منهم نَصائحًا
كرائمَ تُهْدى عن نفوسٍ كرائم
إليكَ أميرَ المؤمنينَ حَمَلْتُها
ودائعَ كالأموالِ تحتَ الخواتم
شَهِدْتُ بما أبْصَرتُه وعلِمْتُهُ
شهادَةَ بَرٍّ لا شَهَادَةَ آثِم
فقُمتُ بها عن ألسنِ القوم خُطبَةً
إذا ذُكِرَتْ لم تُخزِهم في المواسم
0 تعليقات