كَذبَ السلوُّ العِشقُ أيَسرُ مركبا
ومنيّةُ العُشّاقِ أهْوَنُ مَطلبا
مَنْ راقَبَ المِقدارَ لم يرَ معْركًا
أشِبًا ويوْمًا بالسَّنَوَّرِ أكْهَبا
وكتائِبًا تُرْدي غواربَها القَنا
وفوارسًا تَغْدى صَوالجَها الظُّبى
لا يورِدونَ الماءَ سُنْبُكَ سابحٍ
أو يَكتسي بدم الفوارِسِ طُحلُبا
لا يركُضونَ فؤادَ صَبٍّ هائمٍ
إن لم يُسَمّوه الجَوادَ السَّلْهَبا
حتى إذا ملكوا أعنّتَنا هَوىً
صرَفوا إلى البُهَم العِتاق الشُّزَّبا
رَبِذًا فخَيْفانًا فيعبُوبًا فذا
شِيَةٍ أغَرّ فمُنْعَلًا فمجنَّبا
قد أطفأُوا بالدُّهْمِ منها فجْرَهمْ
فتكوّرَتْ شمسُ النهار تغضُّبا
واستأنَفوا بشِياتِها فجْرًا فلو
عقَدوا نواصِيَها أعادوا الغَيْهبا
في مَعْرَكٍ جَنَبوا به عُشّاقَهم
طَوعًا وكنتُ أنا الذلولَ المُصْحَبا
لبسوا الصِّقال على الخدود مفضَّضًا
والسابريَّ على المناكب مُذهَبا
وتضوّعَ الكافورُ من أرْدانهمْ
عَبقًا فظنّوه عَجاجًا أشهبا
حتى إذا نَبَذوا الصّوارِمَ بينَهُم
قِطَعًا وسُمْرَ الزّاغبيّةِ أكعُبا
قطرتْ غلائلُهم دمًا وخُدودهُم
خَجَلًا فراحوا بالجمال مخضَّبا
قد صُرّ آذانُ الجيادِ توجّسًا
وكتمْنَ إعلانَ الصّهيلِ تَهَيُّبا
وغدا الذي يَلقى ندامى ليلِه
متبسّمًا في الدارِعينَ مُقطِّبا
ويكلّفُ الأرْماحَ لِينَ قوامِهِ
فيذمُّ ذا يَزَنٍ ويَظلِمُ قَعْضَبا
كِسرَى شَهِنشاه الذي حُدّثتَه
هذا فأين تَظُنُّ منه المَهْرَبا
مَن لا يَبيتُ عن الأحِبّةِ راضيًا
حتى يكونَ على الفوارسِ مُغضَبا
مَنْ زِيُّه أنْ لا يجيءَ مُقَنَّعًا
حتى يَقُدّ مُتَوَّجًا ومَعُصَّبا
ما زال يعْلَقُ في مَنابتِ فارِسٍ
حتى ظننتُ النَّوبَهارَ له أبا
ولئِنْ سطا بسريرِ مُلْكٍ أعْجَمٍ
فلقد أمَدّتْه لِسانًا مُعْرِبا
ولئِن تَعَرَّضَ للدِّماءِ يُسيلُها
فلقد يكونُ إلى النفوسِ مُحبَّبًا
قُم فاخترِطْ لي من حواشي لحظِهِ
سَيْفًا يكون كما علمتَ مجرَّبا
وأعِرْ جَناني فتْكَةً مِنْ دَلّه
كيما أكونَ بها الشجاعَ المِحْرَبا
وأمِدّني بتَعلّةٍ مِنْ رِيقِهِ
حتى أُقَبّلَ منه ثَغْرًا أشْنَبا
واجعَلْ مَحَلّي أن أراه فإنّني
سأفُضّ بين يديْهِ هذا المِقنَبا
أوَلم يكن ذا الخشْفُ يألفُ وَجرَةً
فاليوْمَ يألَفُ ذا القنا المتأشِّبا
عَهْدي به والشمس دايَةُ خِدرِهِ
تُوفي عليه كلَّ يوْمٍ مَرقَبا
ما إنْ تزالُ تَخِرُّ ساجِدَةً لَه
من حينِ مَطلعِها إلى أن تغربا
فعلى القلوب القاسياتِ مُغلَّبًا
وإلى النفوس الفاركاتِ محبَّبا
حتى إذا سَرَقَ القوابلُ شَنْفَه
عوّضْنَه منه صَفيحًا مِقْضَبا
لمّا رأيْنَ شُدُونَه أبرَزْنَه
من حيث يألَفُ كِلّةً لا سَبْسَبا
وَسْنانَ من وَسَنِ المَلاحةِ طرفُه
وجفونُه سكرانَ من خمر الصّبا
قد واجه الأُسْدَ الضّواريَ في الوغى
غِرًّا وقارنَ في الكِناسِ الرّبرَبا
فإذا رأى الأبطالَ نَصّ إليهمُ
جِيدًا وأتْلَعَ خائِفًا مُتَرَقِّبا
فأتى به رَكضُ السّوابحِ حُوَّلًا
وأتى به خَوْضُ الكرائه قُلَّبا
قد سِرْتُ في الميدان يوْم طِرادهم
فعجِبتُ حتى كِدتُ أن لا أعجَبا
قَمَرٌ لهم قدْ قَلّدُوه صارمًا
لو أنْصَفوه قلّدوه كوكَبا
صَبغوه لَوْنًا بالشّقيقِ وبالرّحي
قِ وبالبنفسج والأقاحي مُشرَبا
وكأنّما طَبعوا له من لَحظِهِ
سَيفًا رَقِيقَ الشفرتينِ مُشَطَّبا
قد ماجَ حتى كاد يَسقُطُ نِصْفُه
وأُلينَ حتى كاد أن يتسَرّبا
خالَستُه نَظَرًا وكانَ مُوَرَّدًا
فاحمرّ حتى كاد أن يتلَهّبا
هذا طرازٌ ما العيون كتبنَه
لكنّه قبلَ العُيونِ تكتّبا
انظُرْ إليه كأنّه مُتَنَصِّلٌ
بجفونهِ ولقد يكون المُذنبا
وكأنّ صفحةَ خَدّهِ وعذارَه
تُفّاحةٌ رُمِيَتْ لتَقْتُلَ عَقربا
نُخبَتْ قَوافي الشعرِ فيك فما لها
لم تأتِ من مدحِ الملوكِ الأوجَبا
من آلِ ساسانٍ مَنارٌ للصِّبا
قد بِتُّ أسأل عنه أنفاسَ الصَّبا
أجني حديثًا كانَ ألطَفَ مَوقعًا
عندي من الراحِ الشَّمول وأعذَبا
رُدْني له حتى أردّ سَلامَه
عَبقًا برَيحانِ السلامِ مُطَيَّبا
هلاّ أنا البادي ولكن شيمتي
مَن ذا يردُّ عن الخَفاء المُغْرِبا
لمْ أُمْطَرِ الوَسمِيَّ إلاّ بعدَما
سبَقَ الولِيُّ له وقد غَمَرَ الرُّبَى
وتلَقّتِ الرُّكْبانَ سَمْعي بالذي
سَمِعَ الزّمانَ أقلَّه فتعجّبَا
ودنَتْ إليه الشمسُ حتى زُوحِمتْ
واخضَرّ منه الأفْقُ حتى أعشبا
في كلّ يوْمٍ لا تَزالُ تحيّةٌ
كرَمٌ يَخُبُّ بها رسولٌ مُجتَبى
فتكادُ تُبلِغُني إليه تَشَوُّقًا
وتكادُ تَحمِلُني إليه تَطَرُّبا
هي أيقظتْ بالي وقد رَقدَ الورى
واستنهضت شكري وقد عُقد الحُبى
إن يَكرُمِ السيْفُ الذي قلّدتني
من غيرها فلقد تَخيّرَ مَنكبِا
لستُ الخطيبَ المسهَبَ الأعلى إذا
ما لم أكنْ فيكَ الخَطيبَ المُسهبا
لو كنتَ حيثُ تَرى لساني ناطقًا
لرأيتَ شِقْشِقةً وقَرمًا مُصْعَبا
إنّا وبكرًا في الوغى لبنو أبٍ
وإن اختلَفْنا حينَ تَنسِبُنا أبَا
قومٌ يعمُّ سَراةَ قومي فخرُهم
ويخُصُّ أقربَ وائلٍ فالأقربا
أحلافُنا حتى كأنّ ربيعةً
من قبل يعرُبَ كان عاقدَ يَشجُبا
ذَرْني أُجدّدْ ذلك العهدَ الذي
أعيا على الأيامِ أن يَتَقَشّبا
فلَقَد عَلمتُ بأنّ سيفي منهمُ
بيديّ أمضى من لساني مضربا
المانعينَ حِماهم وحِمى النّدى
وحِمى بني قحطانَ أن يُتَنَهّبا
هم قطّعوا بأكفّهمْ أرحامَهُمْ
غَضبًا لجارِ بُيوتِهم أن يغضَبا
ووفَوْا فلم يدَعوا الوفاءَ لجارهم
حتى تشتّتَ شملُهُمْ وتخرّبا
لولا الوفاءُ بعَهدهمْ لم يفتِكوا
بكُليبِ تغلِبَ بين أيدي تغلِبا
يومَ اشتكى حرَّ الغليل فقيلَ قد
جاوزتَ في وادي الأحصّ المشربا
وكفاكَ أن أطرَيتَهم ومَدَحْتَهم
جهْدَ المديح فما وجدتَ مكذِّبا
الواهبينَ حِمىً وشَولًا رُتَّعًا
وأباطِحًا حُوًّا وروضًا مُعشِبا
والخائضينَ إلى الكرائه مثلَها
والواردينَ لُمىً لُمىً وثبىً ثبى
لو شَيّدوا الخيماتِ تشييدَ العُلى
أمِنَتْ ديارُ ربيعةٍ أن تَخْرَبا
فهُمُ كواكبُ عصرِهم لكنّهم
منه بحيثُ تَرى العيونُ الكوكبا
مَن ذا الذي يُثني عليكَ بقدْر ما
تولي ولو جازَ المقالَ وأطنَبا
أم مَن يُعَمَّرُ في الزّمانِ مخلَّدًا
حتى يعدّ له الحصَى والأثلبَا
مَن كان أولُ نُطقه في مَهده
أهلًا وسهلًا للعُفاة ومَرحبا
عَذلوهُ في بَذْلِ التِّلادِ وإنّما
عَذلوه أن يُدعى الغمامَ الصَّيّبا
لا تعذلوه فلَن يُحوّل عاذلٌ
ما كان طبعًا في النفوس مركَّبا
نفسٌ تَرِقُّ تأدّبًا وحِجًى يضي
ءُ تلهّبًا ويدٌ تذوبُ تسرُّبا
فيَزيدُها دَرُّ السّماحِ تخرّقًا
ويَزيدُها بَسْطُ البنانِ ترحُّبا
0 تعليقات