هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ
أرجو زمانًا والزمانُ حُلاحِل
وأعَزُّ مفْقُودٍ شبابٌ عائِدٌ
من بعدِ ما ولّى وإلْفٌ واصلُ
ما أحسَنَ الدّنْيا بشَمْلٍ جامِعٍ
لكنّها أُمُّ البَنينَ الثّاكِلُ
جرَتِ اللّيالي والتّنائي بينَنَا
أُمُّ الليّالي والتّنائي هابِلُ
فكأنّمَا يوْمٌ ليومٍ طاردٌ
وكأنّمَا دَهْرٌ لدَهْرٍ آكل
أعَلى الشّبابِ أم الخليطِ تَلَدُّدي
هذا يُفارِقُني وذاك يُزايِل
في كلِّ يوْمٍ أسْتَزيدُ تجارِبًا
كم عالمٍ بالشيءِ وهو يُسائِلُ
ما العِيسُ ترحلُ بالقِبابِ حميدةً
لكنّهَا عَصْرُ الشبابِ الراحلُ
ما الخمْرُ إلاّ ما تُعَتِّقُهُ النّوَى
أوْ أُختُهَا ممّا تُعَتِّقُ بابل
فمزاجُ كأسِ البابِلِيّةِ أوْلَقٌ
ومِزاجُ تلك دمُ الأفاعي القاتل
ولقد مَرَرْتُ على الدّيارِ بمَنْعِجٍ
وبها الذي بي غيرَ أنّي السّائل
فَتَوافَقَ الطَّلَلانِ هذا دارسٌ
في بُرْدَتَيْ عَصْبٍ وهذا ماثل
فَمَحا مَعالمَ ذا نجيعٌ سافكٌ
ومحا مَعالِمَ ذا مُلِثٌّ وابل
يا دارُ أشبَهَتِ المها فيكِ المَهَا
والسِّرْبَ إلاّ أنّهُنَّ مَطافل
نَضَحَتْ جوانحَكِ الرّياحُ بلؤلؤ
للطَّلِّ فيه رَدْعُ مِسْكٍ جائل
وغَدَتْ بجْيبٍ فيكِ مشقوقٍ لها
نَفَسٌ تُرَدِّدُهُ ودَمْعٌ هامل
هَلاّ كعهدِكِ والأراكُ أرائِكٌ
والأثلُ بانٌ والطُّلُولُ خمائل
إذ ذلك الوادي قَنًا وأسِنّةٌ
وإذِ الدّيارُ مَشاهدٌ ومحافل
وعوابسٌ وقَوانِسٌ وفَوارِسٌ
وكوانسٌ وأوانسٌ وعقائل
وإذِ العِراصُ تبيتُ يَسحَبُ لأمَةً
فيها ابنُ هَيْجاءٍ ويصفِنُ صاهل
وتَضِجُّ أيْسارٌ ويَصْدَحُ شاربٌ
وتَرِنُّ سُمّارٌ ويَهْدِرُ جامل
بُعْدًا للَيْلاتٍ لنا أفِدَتْ ولا
بَعُدَتْ لَيالٍ بالغميمِ قلائل
إذ عيْشُنَا في مثْلِ دولَةِ جَعفَرٍ
والعَدْلُ فيها ضاحكٌ والنّائل
ندعوهُ سيْفًا والمنيّةُ حَدُّهُ
وسِنانَ حَرْبٍ والكتيبةُ عامل
هذا الذي لولا بقيّة عدلِهِ
ما كان في الدنيا قضاءٌ عادل
لو أشْرَبَ اللّهُ القلوبَ حَنانَهُ
أو رِفْقَهُ أحْيا القتيلَ القاتل
ولوَ انّ كلَّ مُطاعِ قومٍ مثلُه
ما غَيّرَ الدَّوْلاتِ دَهرٌ دائل
إن كان يعْلَمُ جَعْفَرًا عِلمي بِهِ
بَشَرٌ فليس على البسيطَةِ جاهل
يَوْماهُ طَعْنٌ في الكريهةِ فَيصَلٌ
أبدًا وحُكْمٌ في المَقامَةِ فاصل
بطَلٌ إذا ما شاءَ حَلّى رُمْحَهُ
بدَمٍ وقُرِّبَ منْهُ رُمحٌ عاطل
أعطى فأكثرَ واستَقَلَّ هِباتِهِ
فاسْتَحْيَتِ الأنواءُ وهي هوامل
فاسمُ الغمامِ لديه وهو كَنَهْوَرٌ
آلٌ وأسماءُ البحورِ جداول
لولا اتّساعُ مذاهبِ الآفاقِ مَا
وسِعَتْ له فيها لُهىً وفواضل
إن لَجّ هذا الوَدْقُ منه ولم يُفِقْ
عمّا أرى هذا الصَّبيرُ الوابل
فسينقضي طَلَبٌ ويُفقَدُ طالبٌ
وتَقِلُّ آمالٌ ويُعْدَمُ آملُ
شِيَمٌ مَخِيلَتُها السَّماحُ وقَلّما
تَهْمي سحابٌ ما لهنَّ مَخايل
هّبتْ قَبُولًا والرّياحُ رَوَاكِدٌ
وأتَتْ سماءً والغيومُ غَوافل
تَسْمو به العَينُ الطَّموحُ إلى التي
تَفنى الرِّقابُ بها ويَفْنى النائل
نَظَرَتْ إلى الأعداءِ أوّلَ نَظْرَةٍ
فَتَزَايَلَتْ منْهُ طُلىً ومَفاصل
وثَنَتْ إلى الدنيا بأُخرى مثلِها
فتقسَّمَتْ في النّاسِ وهي نَوافل
لم تَخْلُ أرضٌ من نَداهُ ولا خلا
من شكْرِ ما يولي لسانٌ قائل
وطىءَ المحُولَ فلم يُقدِّمْ خطوةً
إلاّ وأكنْافُ البِلادِ خَمائِل
ورأى العُفاةَ فلمْ يَزِدْهُمْ لحظَةً
إلاّ وكِيرانُ المَطِيِّ وذائل
تأتي له خَلفَ الخُطوبِ عزائِمٌ
تُذكَى لها خلفَ الصّباحِ مشاعل
فكأنّهُنّ على العُيونِ غَياهِبٌ
وكأنّهُنّ على النّفوسِ حبائل
المُدركاتُ عدُوَّهُ ولوَ انّهُ
قَمَرُ السّماءِ لَهُ النُّجومُ مَعاقِل
وإذا عُقابُ الجَوِّ هَدْهَدَ رِيشَها
صَعِقَتْ شواهِينٌ لها وأجادل
مَلِكٌ إذا صَدِئَتْ عليهِ دروعُهُ
فلها من الهَيجاء يومٌ صاقل
وإذا الدّماءُ جَرَتْ على أطْواقها
فمن الدِّماءِ لها طَهورٌ غاسل
مُلِئَتْ قلوبُ الإنسِ منه مهابَةً
وأطاعَهُ جِنُّ الصَّريمِ الخابل
فإذا سمِعتَ على البِعادِ زَئِيرَهُ
فاذهَبْ فقد طَرَقَ الهِزَبْرُ الباسل
لو يَدَّعِيهِ غيرُ حيٍّ ناطِقٍ
لَغَدَتْ أسودُ الغَابِ فيه تجادل
تَنْسَى له فُرسانَها قَيسٌ ولمْ
تَظلِمْ وتُعرِضُ عن كُلَيبٍ وائل
هَجَماتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُقابلٌ
وجِهاتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُخاتِل
فانهَض بأعْباءِ الخِلافَةِ كلِّهَا
إنّ المُحَمَّلَهُنَّ عَودٌ بازل
ولقد تكونُ لكَ الأسِنّةُ مَضْجَعًا
حتى كأنّكَ من حِمامِك غافل
تَغْدو على مُهَج الليوثِ مُجاهِرًا
حتى كأنّكَ مِنْ بِدارٍ خاتل
تلكَ الخلافَةُ هاشمٌ أربابُهَا
والدِّينُ هاديها وأنتَ الكاهل
هل جاءها بالأمسِ منكَ على النوى
يومٌ كيومكَ للمسامع هائل
وسُرَاكَ لا تَثنيكَ حِدَّةُ مأتَمٍ
رُجُفٌ نَوادِبُهُ وخَبْلٌ خابِل
وقد التَقَتْ بِيدٌ وقطرٌ صائبٌ
ومسالكٌ دُعْجٌ وليلٌ لائل
وجَرَتْ شِعابٌ ما لهُنَّ مَذانِبٌ
وطَمَتْ بحارٌ ما لهنّ سَواحل
تَمْضي ويَتبَعُكَ الغَمامُ بوَبْلِهِ
فكأنّهُ لك حيثُ كنتَ مُساجل
سارٍ كأنّ قتيرَ دِرعِكَ فوقَهُ
كُففًَا وجُودُ يَدَيكَ منه هامل
ووراءَ سيفكَ مُصلَتًا وأمامَهُ
جيشٌ لجيش اللّه فيه منَازل
مُثْعَنْجَرٌ يَبرينُ فيهِ وعالِجٌ
والأخشَبانِ مُتالِعٌ ومُواسِل
فكأنّما الهَضَبَاتُ منه أجارعٌ
وكأنّما البُكراتُ منه أصائِل
وكأنّما هُوَ منْ سَماءٍ خارجٌ
وكأنّما هو في سَماءٍ داخِل
تلتَفُّ خُرْصانُ العَوالي فوقَهُ
فكأنّما الآفاقُ منْهُ خَمائِل
والحِيرَةُ البيضاءُ فيه صَوارِمٌ
والخطُّ من غَسّانَ فيه ذوابل
والأُسْدُ كلُّ الأُسْدِ فيه فَوارِسٌ
والأرضُ كلُّ الأرضِ فيه قَساطل
تُطْفي له شُعَلَ النُّجوم أسِنّةٌ
ويُغَيِّرُ الآفاقَ منه غَياطل
كالمُزْنِ يَدلحُ فالرُّعودُ غَماغِمٌ
في حَجرْتَيْهِ والبُروقُ منَاصل
فدَمٌ كَقَطْرٍ صائبٍ لكِنّ ذا
بجميعِهِ طَلٌّ وهَذا وابل
فيه المذاكي كلُّ أجْرَدَ صِلدِمٍ
يَدمَى نَسًا منه ويَشْخُبُ فائل
مِنْ طائِراتٍ ما لهُنّ قَوادِمٌ
أو مُقْرَباتٍ ما لهنّ أياطل
فكأنّما عَشَمَتْ لهنّ مرافِقٌ
وكأنّما زَفَرَتْ لهُنَّ مَراكِل
أللاء لا يَعْرِفْنَ إلاّ غَارَةً
شَعْواءَ فهي إلى الكُماةِ صواهل
اللاحِقاتُ وراءَهَا وأمامَها
فكأنّهُنّ جَنائبٌ وشَمائل
مُقْوَرَّةٌ يكْرَعنَ في حوض الردى
وِرْدَ القَطا في البِيدِ وهي نواهل
فالنَّجْدُ في لَهَواتِها والغورُ وال
فلَقُ المُلَّمعُ والظّلامُ الحائل
والمجدُ يلقى المجْدَ بين فُرُوجِهَا
ذا راحِلٌ مَعَها وهذا قافل
حتى أنَخْتَ على الخِيامِ إناخَةً
فَغَدَتْ أعالِيهِنَّ وهي أسافل
يا رُبَّ وادٍ يومَ ذاكَ تركْتَهُ
وقطينُهُ فيه أتِيٌّ سائلُ
فاجَأتَهُ مَحْلًا وفجَّرْتَ الطُّلى
فجَرَتْ مَحانٍ تحتَه وجداول
ووطِئتَ بينَ كِناسِهِ وعرينِهِ
فأُصيبَ خادِرُهُ ورِيعَ الخاذل
غادَرْتَهُ والموتُ في عَرَصاتِهِ
حَقٌّ وتضْليلُ الأماني باطِل
تَمْكو عليه فرائصٌ وتَرائِبٌ
وتَرِنُّ فيه سواجِعٌ وثواكل
لا النّارُ أذكَتْ حَجْرَتَيْهِ وإنّما
مَزَعَتْ جيادُكَ فيه وهي جوافل
لا رأيَ إلاّ ما رأيتَ صَوابَهُ
في المُشكِلاتِ وكلُّ رأيٍ فائِل
لو كان للغَيْبِ المُستَّرِ مُدرِكٌ
في النّاسِ أدركَهُ اللّبيبُ العاقِل
والحازمُ الدّاهي يُكابِدُ نفْسَهُ
أعداءَهُ فتراهُ وهو مُجامل
ويكادُ يَخفَى عن بَناتِ ضميرِهِ
مكتومُ ما هو مُبتَغٍ ومحاول
إذهَبْ فلا يَعْدمك أبيضُ صارمٌ
تَسْطو به قِدْمًا وأسمَرُ ذابل
لا عُرّيَتْ منكَ الليالي إنّهَا
بك حُلِّيَتْ والذّاهباتُ عواطِل
ما العُربُ لولا أنْتَ إلاّ أيْنُقٌ
زُمّتْ لِطِيَّتِها وحَيٌّ راحلُ
ما المُلْكُ دونَ يديكَ إلاّ عُرْوَةٌ
مفصُومَةٌ وعَمودُ سَمْكٍ مائل
فليتركوا أعلى طريقِكَ إنّهُ
لكَ مَسْلَكٌ بين الكواكبِ سابل
قد أُكِرهَ الحافي فمَرّ على الثَّرَى
رَسْفًا وطار على القَتادِ النّاعل
كلُّ الكِرامِ من البَريّةِ قائِلٌ
في المكرماتِ وأنتَ وحدَكَ فاعل
لو أنّ عَدْلكَ للأحِبّةِ لم تَبِتْ
بالعاشقينَ صَبابةٌ وبلابل
فتركْتَ أرضَ الزّابِ لا يأسَى أبٌ
لابنٍ ولا تَبْكي البُعولَ حلائلُ
ولقد شهِدتَ الحرْبَ فيها يافِعًا
إذ لا بنفسِكَ غيرُ نفسكَ صائل
والمُلْكُ يومئِذٍ لواءٌ خاِفقٌ
يَلقَى الرّياحَ وليسَ غيرُكَ حامل
فسَعَيْتَ سَعيَ أبيكَ وهو المُعتَلي
وورِثْتَ سْيفَ أبيكَ وهو القاصل
أيّامَ لم تُضْمَم إليكَ مَضارِبٌ
منه ولم تَقْلُصْ عليك حَمائل
فخضَبْتَهُ إذ لا تَكادُ تَهُزُّهُ
حتى تَنُوءَ بهِ يَدٌ وأنامِل
وافَى بنانَ الكفِّ وهي أصاغِرٌ
فسَطَتْ به الهِمّاتُ وهي جلائل
من كان يَكفُلُ شُعْبَةً من قومهِ
كرَمًا فأنْتَ لكُلِّ شَعْبٍ كافل
فإذا حللت فكل واد ممرع
وإذا ظعنت فكل شِعب ماحل
وإذا بَعُدْتَ فكلُّ شيءٍ ناقِصٌ
وإذا قَرُبْتَ فكلُّ شيءٍ كامل
خَلَقَ الإلهُ الأرضَ وهي بلاقعٌ
ومكانُ مَا تَطَأونَ منها آهِل
وبرا الملوكَ فجادَ منهم جعفَرٌ
وبنو أبِيهِ وكلُّ حَيٍّ باخل
لو لم تَطِيبُوا لم يَقِلَّ عَديدُكُم
وكذاكَ أفْرادُ النُّجومِ قلائل
0 تعليقات