أنظلم أن شمنا بوارق لمحا لـ ابن هانئ الأندلسي

أنُظلِمُ أن شِمنا بوارقَ لُمَّحا
وضحنَ لساري الليل من جنب تُوضحا

بعينك أن باتت تُحرِّقُ كُورَها
محجَّلةً غُرًّا من المُزنِ دُلَّحا

ولمّا احتضَنّ الليلَ أرهَفنَ خصرَهُ
فباتَ بأثناء الصّباح مُوشَّحا

تَحمّلَ ساريها إلينا تحِيّةً
فهيّجَ تذكارًا ووَجدًا مُبرِّحا

وعارضَهُ تِلقاءَ أسماءَ عارضٌ
تَكفّى ثَبيرٌ فوقَهُ فترجّحا

ولمّا تَهادَى نكّبَ البِيدَ مُعْرِضًا
وأتْأقَ سَجْلًا للرّياض فَطفّحا

تَدلّى فخِلتُ الدُّكنَ من عَذَباتهِ
كواسِرَ فُتْخًا في حِفافيْه جُنَّحا

لِتَغْدُ غَواديهِ بمُنعَرج اللّوى
موائحَ رَقراقٍ من الرِّيّ مُتَّحا

سقَته فمجّتْ صائك المسكِ حُفَّلًا
تسُحُّ وأذرَتْ لؤلؤ النظم نُضَّحا

فلم تُبق من تلك الأجارع أجرعًا
ولم تُبقِ من تلك الأباطح أبطَحا

وللّه أظْعانٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدٍ
وقد كرَبتْ تلك الشموسُ لتَجنحا

أجَدِّكَ ما أنْفَكُّ إلاّ مُغَبَّقًا
بكأس النوى صِرْفًا وإلاّ مصَبَّحا

وأبيضَ من سِرّ الخِلافَةِ واضِحٍ
تجلّى فكان الشمسَ في رونقِ الضّحى

عنيفٌ ببَذلِ الوَفرِ يَلحي عُفاتَه
على صَفَدٍ ما كان نُهزَةَ من لَحى

تَوَخّاهُمُ قبلَ السؤالِ تبرّعًا
بمعروفِ ما يُولي وسِيلَ فأنجحا

صَحا أهلُ هذا البذل ممّنْ عَلمتَه
وأمسكَ بالأموال نشوانُ ما صَحا

ذروا حاتمًا عنّا وكَعبًا فإنّنا
رأيناه بالدنيا على الدين أسمحا

أريكَ به نَهْجَ الخلافة مَهيَعًا
يُبين وأعلامَ الخلافة وُضَّحا

كثيرُ وجوه الحزْم أردى به العِدى
وأنحى به ليْثَ العَرينَةِ فانتحى

ولمّا اجتباه والملائكُ جُندهُ
لمَهلكهم دارت على قُطبها الرّحى

فقلّدهَا جَمَّ السياسةِ مِدرهًا
إذا شاء رام القصْدَ أو قال أفصَحا

نحاهم به أمضى من السيف وَقعُه
وأجزَلَ من أركان رَضوى وأرجحا

وقد نَصَحَتْ قُوّادُه غيرَ أنّني
رأيتُ ربيبَ المُلكِ للملكِ أنصَحا

رآه أميرُ المؤمنين كعهدِهِ
تشبُّ لَظى الهيجاء ألفَحَ ألفَحا

رَمى بك قارونَ المغاربِ عاتيًا
وفرعونَها مستحييًا ومذبِّحا

ورامَ جِماحًا والكتائبُ حَولَه
فوافاكَ في ظلّ السُّرادق أجمَحا

فلمّا اطلَخَمّ الأمرُ أخفَتَ زأرَه
فمجمج تعريضًا وقد كان صرّحا

مُرَدِّدُ جأشٍ في التراقي فضَحتَه
وكانتْ له أُمُّ المنيّةِ أفضَحا

ومُطّرِحُ الآراءِ ما كَرّ طَرفَه
ولا ارتدّ حتى عادَ شِلْوًا مُطرَّحا

فلم يُدْعَ إرنانًا ولا اصْطفَقَتْ له
حلائلُه في مأتَمِ النَّوح نُوَّحا

وغُودِرَ في أشياعهِ نَبأً وقدْ
مَحوْتَ به رسمَ الدّلالة فامّحى

وأدركتَ سُولًا في ابن واسول عَنوةً
وَزَحزَحتَ منه يذبُلًا فتزَحزَحا

وإلا أبنْه في العُصاةِ فإنّني
أرى شاربًا منهم يميل مُرَنَّحا

يموت ويَحْيا بينَ راجٍ وآيسٍ
فكانَ له الهُلْكُ المُواشكُ أرْوَحا

تضَمّنَه حَجْلٌ كلَبّة أرقَمٍ
إذا خَرِسَ الحادي ترَنّمَ مُفصِحا

أُريكَ بمرآةِ الإمَامَةِ كاسْمها
على كُورِ عَنْسِ والإمامَ المرشَّحا

وقد سَلَبَتْه الزّاعبيّةُ ما ادّعى
فأصْبحَ تِنّينًا وأمسَى ذُرَحْرَحا

فما خطبهُ شاهَتْ وجوه دُعاتهِ
وجُدّعَ من مأفون رأيٍ وقُبّحا

وكان الجذاميُّ الطويلُ نجادُه
بهيمًا مَدى أعصارِهِ فتوضّحا

عَجِلتَ له بَطشًا وإنّ وراءه
لَخَرْقًا من البيد المرَوراتِ أفيحا

مُعاشِرُ حربٍ يحلب الدهرَ أشطُرًا
فلم يتّرِكْ سَعْيًا ولم يأتِ مَنجَحا

أقولُ له في موثَقِ الأسرِ عاتبًا
تُجاذبُه الأغلالُ والقيدُ مُقْمَحا

لئن حَمَلَتْ أشياعُ بغْيكَ فادحًا
يغولُ لقد حُمّلتَ ما كان أفدحا

ولا كابنه أذكى شهابًا بمعركٍ
وأجمحَ في ثِنْي العنانِ وأطمحا

مَرَت لك في الهيجاء ماءَ شبابهِ
يدٌ فَجّرَتْ منه جداولَ سُيَّحا

وأثكَلْتَه منه القضيبَ تهَصّرَتْ
أعاليه والرّوْضُ المُفوَّفُ صُوّحا

لَعَمري لَئنْ ألحقتَهُ أهلَ ودّه
لقد كان أوحاهم إلى مأزِقِ الرّحى

وكم هاجعٍ ليلَ البَياتِ اهتَبَلتَه
فصَبّحتَه كأسَ المنيّةِ مُصْبِحا

وهدّمْتَ ما شادَ العِنادُ وقد رَسَتْ
أواخِيهِ في تلك الهَزاهزِ رُجَّحا

على حينَ ضَجّ الأفقُ من شُرفاتهِ
وأعنانِهِ حتى هَوَتْ فتَفَسّحا

وقد كان بابًا مُرْتَجًا دونَ جَنّةٍ
فلمّا دَنَتْ تلك اليمينُ تَفتَّحا

ليالي حُروبٍ كُنّ شُهْبًا ثَواقبًا
لها شُعَلٌ كانتْ سَمائمَ لُفَّحا

رأى ابنُ أبي سفيانَ فيها رشادَه
وعَفّى على إثْرِ الفسادِ وأصْلحا

دَعاكَ إلى تأمينهِ فأجَبْتَه
ولو لم تَدارَكْه بعارفةٍ طَحا

وفي آلِ موسى قد شنَنتَ وقائعًا
أهَبْتَ لهم تلك الزّعازع لُقَّحا

فلمّا رأوا أنْ لا مفَرّ لهارِبٍ
وأبدَتْ لهم أُمُّ المنيّة مَكلَحا

وأكدى عليهم زاخرُ اليمّ مَعبرًا
وضاقَ عليهم جانبُ الأرضِ مسرَحا

صَفحتَ عن الجانينَ مَنًّا ورأفةً
وكنتَ حريًّا أن تَمُنّ وتَصفحا

وقد أزمعوا عن ذلكَ السِّيفِ رِحْلَةً
فملّكْتَ أَولاهمْ عِنانًا مُسرَّحا

وكان مَشيدُ الحصْنِ هَضْبَ مُتالعٍ
فغادَرْتَه سَهْبًا بتَيْماءَ صَحصَحا

قضى ما قضى منه البَوارُ فلم يُقَلْ
نعمتَ ولا حُيّيتَ مُمسىً ومُصْبَحا

معالِمُ لا يُنْدَبنَ آوِنَةً ولا
تنوحُ حمامُ الأيك فيهنّ صُدَّحا

وكانوا وكانَتْ فترةٌ جَاهِليّةٌ
فقد نَهّجَ اللّهُ السبيلَ وأوضَحا

لأفلحَ منهم مَن تزكّى وقادَهُ
حوارِيُّ أملاكٍ تَزكّى وأفلحا

حلفتُ بمستَنّ البِطاحِ أليّةً
وبالركن والغادي عليه مُمسِّحا

لَرُدّوا إلى الآياتِ مُعجِزةً فلو
لمستَ الحصى فيهم بكفّيكَ سَبّحا

إرسال تعليق

0 تعليقات