ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ
وفي الحَيّ أيْقاظٌ ونحنُ هُجُودُ
وقد أعجَلَ الفَجرُ المُلَمَّعُ خَطَوها
وفي أُخْرَياتِ اللّيلِ منْهُ عَمودُ
سرَتْ عاطلًا غضْبَى على الدُّرّ وحده
فلَم يدرِ نحرٌ ما دَهاه وجِيدُ
فَما برِحتْ إلاّ ومن سِلكِ أدْمُعي
قَلائِدُ في لَبّاتِها وعُقُودُ
وما مُغزِلٌ أدْماءُ دانٍ بَريرُها
تَرَبَّعُ أيْكًا ناعِمًا وتَرُودُ
بأحْسَنَ منها حِينَ نَصّتْ سَوالِفًا
تَرُوغُ إلى أتْرابِها وتَحِيدُ
ألَمْ يأتِها أنّا كَبُرْنا عنِ الصِّبَى
وأنّا بَلينا والزّمانُ جَديدُ
فلَيتَ مَشيبًا لا يزالُ ولم أقُلْ
بكاظمَةٍ ليتَ الشّبابَ يَعودُ
ولم أرَ مثلي ما له من تجلُّدٍ
ولا كجفوني ما لهنّ جُمودُ
ولا كالليالي ما لَهُنّ مواثِقٌ
ولا كالغواني ما لَهُنّ عُهُود
ولا كالمُعِزّ ابْنِ النبيّ خليفةً
له اللّهُ بالفضلِ المبينِ شَهِيد
وما لسماءٍ أن تُعَدّ نجومُها
إذا عُدّ آباءٌ لهُ وجُدود
فأسيافُهُ تلك العواري نصولُها
إلى اليوم لم تُعْرَفْ لهُنّ غُمود
ومِنْ خَيْلِهِ تلك الجوافِلُ إنّهَا
إلى الآن لم تُحْطَطْ لهُنّ لُبود
فيا أيها الشّانِيهِ خَلْفَكَ صاديًا
فإنّكَ عن ذاك المَعِينِ مَذود
لغيرِكَ سُقيا الماء وهو مُرَوَّقٌ
وغيرِك رفُّ الظلّ وهو مَديد
نجاةٌ ولكنْ أينَ منكَ مَرامُها
وحوضٌ ولكن أين منكَ ورود
إمَامٌ لهُ ممّا جهِلتَ حقيقةٌ
وليس لهُ مما علمتَ نَديد
من الخطَلِ المعدودِ أن قيلَ ماجِدٌ
ومادِحُهُ المُثْني عليه مَجِيد
وهل جائزٌ فيهِ عَمِيدٌ سَمَيْذَعٌ
وسائلُهُ ضَخْمُ الدّسيعِ عَمِيد
مدائحُهُ عن كلّ هذا بمَعْزَلٍ
من القولِ إلاّ ما أخَلّ نشيد
ومَعلومُها في كلّ نفسٍ جِبِلّةٌ
بها يَسْتهلّ الطفلُ وهو وليد
أغيرَ الذي قد خُطّ في اللوح أبتغي
مديحًا لهُ إنّي إذًا لَعَنُود
وهل يستوي وحيٌ من اللّه مُنزَلٌ
وقافيةٌ في الغابرينَ شَرُود
ولكن رأيتُ الشعرَ سُنّةَ مَن خَلا
له رَجَزٌ ما ينقضي وقصيد
شكرْتُ وِدادًا أنّ منكَ سَجيّةً
تَقَبّلُ شُكرَ العبدِ وهو وَدود
فإنْ يكُ تقصيرٌ فمني وإنْ أقُلْ
سَدادًا فمرْمَى القائلين سديد
وإنّ الذي سَمّاكَ خيرَ خليفَةٍ
لَمُجري القضاءِ الحتمَ حيث تريد
لكَ البَرُّ والبحرُ العظيمُ عُبابُهُ
فسِيّانِ أغمارٌ تُخاضُ وبِيد
أمَا والجواري المنشَآتِ التي سَرت
لقد ظاهَرَتْها عُدّةٌ وعَديد
قِبابٌ كما تُزْجَى القبابُ على المَها
ولكنّ مَنْ ضَمّتْ عليه أُسود
وللّهِ ممّا لا يرون كتائبٌ
مُسَوَّمَةٌ تَحْدُو بهَا وجنُود
أطاعَ لها أنّ الملائكَ خلفَها
كما وقَفَتْ خلْفَ الصّفوفِ ردود
وأنّ الرّياحَ الذارياتِ كتائبٌ
وأنّ النجومَ الطّالعاتِ سُعود
وما راعَ مَلْكَ الرّوم إلاّ اطّلاعُها
تُنَشَّرُ أعْلامٌ لها وبنُود
عَلَيْها غَمامٌ مُكْفَهِرٌّ صَبيرُه
لهُ بارقاتٌ جَمّةٌ ورُعود
مَواخرُ في طامي العُباب كأنّهُ
لعَزْمكَ بأسٌ أو لكفّك جود
أنافَتْ بها أعلامُها وسَما لها
بناءٌ على غيرِ العَراء مَشيد
وليسَ بأعلى كبْكَبٍ وهو شاهقٌ
وليس من الصُّفّاحِ وهو صَلود
من الرّاسياتِ الشُّمّ لولا انتقالُها
فمنها قِنَانٌ شُمَّخٌ ورُيود
من الطّيرِ إلاّ أنّهُنّ جَوارِحٌ
فليسَ لها إلاّ النفوسُ مَصيد
من القادحاتِ النّارَ تُضْرَمُ للطُّلى
فليس لها يومَ اللّقاء خُمود
إذا زَفَرَتْ غَيظًا ترَامَتْ بمارجٍ
كما شُبّ من نَارِ الجحيمِ وقُود
فأنفاسُهُنّ الحامياتُ صَواعقٌ
وأفواهُهُنّ الزافراتُ حَديد
تُشَبُّ لآلِ الجاثليقِ سَعيرُهَا
وما هيَ منْ آل الطريدِ بعيد
لها شُعَلٌ فوقَ الغِمارِ كأنّها
دِماءٌ تَلَقّتْها ملاحفُ سود
تُعانِقُ موجَ البحرِ حتى كأنّهُ
سَليطٌ لها فيه الذُّبالُ عَتيد
ترى الماءَ منْها وهو قانٍ عُبابُهُ
كما باشَرَتْ رَدْعَ الخَلوق جُلود
وغيرُ المذاكي نَجْرُها غيرَ أنّهَا
مُسوَّمَةٌ تحتَ الفوارسِ قُود
فليس لها إلاّ الرّياحَ أعِنّةٌ
وليسَ لها إلاّ الحَبابَ كَديد
ترى كلَّ قَوداءِ التليلِ كما انثنَتْ
سَوالِفُ غِيدٌ للمَها وقُدود
رحيبةُ مَدّ الباعِ وهي نَتيجةٌ
بغيرِ شَوىً عذراءُ وهيَ وَلود
تكبّرْنَ عن نَقْعٍ يُثارُ كأنّها
مَوالٍ وجُردُ الصافِناتِ عبيد
لها من شُفوفِ العبقريّ ملابِسٌ
مُفوَّفَةٌ فيها النُّضارُ جَسيد
كما اشتملتْ فوق الأرائكِ خُرَّدٌ
أوِ التَفَعَتْ فوقَ المنابرِ صِيد
لَبوسٌ تكفُّ الموجَ وهو غُطامِطٌ
وتَدْرَأُ بأسَ اليَمّ وهو شديد
فمنها دُروعٌ فوقها وجَواشنٌ
ومنها خفاتينٌ لها وبُرود
ألا في سبيلِ اللّهِ تَبْذُلُ كلَّ مَا
تَضِنُّ به الأنواءُ وهْيَ جُمود
فلا غَرْوَ أنْ أعزَزْتَ دينَ محمّدٍ
فأنْتَ لهُ دونَ الأنامِ عقيد
وباسمِكَ تدعوهُ الأعادي فإنْهُمْ
يُقِرّونَ حَتْمًا والمُرادُ جُحود
غَضِبتَ له أن ثُلّ بالشامِ عرشُهُ
وعادَكَ من ذكر العواصم عِيد
فبِتَّ له دونَ الأنام مُسَهَّدًا
ونامَ طَليقٌ خائنٌ وطريد
برَغْمِهِمُ أن أيّدَ الحَقَّ أهلُهُ
وأن باءَ بالفعلِ الحميدِ حميد
فللوحْي منهمْ جاحِدٌ ومكذِّبٌ
وللدينِ منهُمْ كاشِحٌ وعَنود
وما سرّهم ما ساءَ أبناءَ قَيصرٍ
وتلك تِراتٌ لم تزَلْ وحُقود
هُمُ بَعُدُوا عنهم على قُرْبِ دارِهم
وجَحْفَلُكَ الدّاني وأنتَ بَعيد
وقلتُ أناسٍ ذا الدمستقُ شكرَهُ
إذا جاءهُ بالعفْوِ منكَ بَريد
وتقبيلَهُ التُّربَ الذي فوقَ خدّهِ
إلى ذِفْرَيَيْهِ من ثَراه صَعيد
تُناجيكَ عنه الكُتْبُ وهي ضراعَةٌ
ويأتيك عنه القولُ وهو سُجود
إذا أنكرتْ فيها التراجِمُ لفظَهُ
فأدمُعُهُ بينَ السّطورِ شُهود
لياليَ تَقفو الرُّسْلَ رُسْلٌ خواضعٌ
ويأتيكَ من بعد الوفود وفود
وما دَلَفَتْ إلاّ الهُمومُ وراءَهُ
وإنْ قال قومٌ إنّهُنّ حُشود
ولكن رأى ذُلاًّ فهانَتْ مَنِيّةٌ
وجَرّبَ خُطبانًا فلَذّ هَبيد
وعرّضَ يَسْتجدي الحِمامَ لنفسِهِ
وبعضُ حِمامِ المُستريح خُلود
فإنْ هَزّ أسيافَ الهِرَقْلِ فإنّهَا
إذا شِئْتَ أغلالٌ له وقيودُ
أفي النومِ يستامُ الوغى ويشُبُّهَا
ففيمَ إذًا يلقَى القَنا فيحيد
ويُعْطي الجِزا والسلمَ عن يدِ صاغرٍ
ويقضي وصدرُ الرّمحِ فيه قصيد
يُقَرِّبُ قُرْبانًا على وَجَلٍ فإنْ
تَقَبّلْتَهُ مِنْ مِثْلِهِ فسِعيد
أليسَ عجيبًا أنْ دعاكَ إلى الوغى
كما حَرّضَ الليثَ المُزَعْفَرَ سِيدُ
ويا رُبّ منْ تُعلِيهِ وهو مُنافِسٌ
وتُسْدي إليه العُرْفَ وهو كَنود
فإنْ لم تكنْ إلاّ الغوايةُ وحدها
فإنّ غِرارَ المَشرفيّ رَشيد
كذا بكَ عَزمٌ للخطوبِ مُوكَّلٌ
علهيم وسيفٌ للنفوس مُبيد
إذا هَجروا الأوطانَ رَدّهُمُ إلى
مصارِعِهِم أن ليس عنك مَحِيد
وإنْ لم يكُنْ إلاّ الدّيارُ ورُعْتَهُمْ
فتلكَ نَواويسٌ لهم ولُحُود
ألا هل أتاهُمْ أنّ ثغرَكَ مُوصَدٌ
وليسَ له إلاّ الرماحَ وصِيد
وليسَ سواءً في طريقٍ لسالكٍ
حُدورٌ إلى ما يبتغي وصُعُود
وعزْمُكَ يلقى كلَّ عزْمٍ مُمَلَّكٍ
كما يَتَلاقَى كائدٌ ومَكيد
وفُلكك يلقى الفلكَ في اليمّ من علٍ
كما يتَلاقَى سَيّدٌ ومَسود
فليتَ أبا السبطين والتربُ دونَه
يَرى كيف تُبْدي حكمَه وتُعيد
ومَلْكَكَ ما ضمّتْ عليه تهائمٌ
ومَلْكَكَ ما ضَمّتْ عليه نجود
وأخذَكَ قسرًا من بني الأصفر الّذي
تذَبذَبَ كسرى عنه وهو عنيد
إذًا لرأى يُمناك تخضِبُ سيفَهُ
وأنتَ عن الدين الحنيفِ تَذود
شهدتُ لقد أُوتيتَ جامعَ فضْلِهِ
وأنتَ على علمي بذاكَ شَهيد
ولو طُلِبَتْ في الغيثِ منكَ سجيّةٌ
لقد عَزّ موجودٌ وعزّ وُجود
إليك يفِرُّ المسلِمونَ بأسرِهِمْ
وقد وُتِروا وتْرًا وأنتَ مُقيد
وإنّ أميرَ المؤمنينَ كعهدِهِمْ
وعندَ أمير المؤمنينَ مزيد
0 تعليقات