أبت عبراته إلا انسكابا لـ أبي فراس الحمداني

أَبَت عَبَراتُهُ إِلّا اِنسِكابا
وَنارُ غَرامِهِ إِلّا اِلتِهابا

وَمِن حَقِّ الطُلولِ عَلَيَّ أَلّا
أُغِبَّ مِنَ الدُموعِ لَها سَحابا

وَما قَصَّرتُ في تَسآلِ رَبعٍ
وَلَكِنّي سَأَلتُ فَما أَجابا

رَأَيتُ الشَيبَ لاحَ فَقُلتُ أَهلًا
وَوَدَّعتُ الغَوايَةَ وَالشَبابا

وَما إِن شِبتُ مِن كِبَرٍ وَلَكِن
رَأَيتُ مِنَ الأَحِبَّةِ ما أَشابا

بَعَثنَ مِنَ الهُمومِ إِلَيَّ رَكبًا
وَصَيَّرنَ الصُدودَ لَها رِكابا

أَلَم تَرَنا أَعَزَّ الناسِ جارًا
وَأَمرَعُهُم وَأَمنَعُهُم جَنابا

لَنا الجَبَلُ المُطِلُّ عَلى نِزارٍ
حَلَلنا النَجدَ مِنهُ وَالهِضابا

تُفَضِّلُنا الأَنامُ وَلا تُحاشي
وَنوصَفُ بِالجَميلِ وَلا نُحابى

وَقَد عَلِمَت رَبيعَةُ بَل نِزارٌ
بِأَنّا الرَأسُ وَالناسُ الذُنابى

وَلَمّا أَن طَغَت سُفَهاءُ كَعبٍ
فَتَحنا بَينَنا لِلحَربِ بابا

مَنَحناها الحَرائِبَ غَيرَ أَنّا
إِذا جارَت مَنَحناها الحِرابا

وَلَمّا ثارَ سَيفُ الدينِ ثُرنا
كَما هَيَّجتَ آسادًا غِضابا

أَسِنَّتُهُ إِذا لاقى طِعانًا
صَوارِمُهُ إِذا لاقى ضِرابا

دَعانا وَالأَسِنَّةُ مُشرَعاتٌ
فَكُنّا عِندَ دَعوَتِهِ الجَوابا

صَنائِعُ فاقَ صانِعُها فَفاقَت
وَغَرسٌ طابَ غارِسُهُ فَطابا

وَكُنّا كَالسِهامِ إِذا أَصابَت
مَراميها فَراميها أَصابا

قَطَعنَ إِلى الجِبارِ بِنا مَعانًا
وَنَكَّبنَ الصُبَيرَةَ وَالقِبابا

وَجاوَزنَ البَدِيَّةَ صادِياتٍ
يُلاحِظنَ السَرابَ وَلا سَرابا

عَبَرنَ بِماسِحٍ وَاللَيلُ طِفلٌ
وَجِئنَ إِلى سَلَميَةَ حينَ شابا

وَقادَ نَدي بنُ جَعفَرَ مِن عُقَيلٍ
شُعوبًا قَد أَسالَ بِها الشِعابا

فَما شَعَروا بِها إِلّا ثَباتًا
دُوَينَ الشَدَّ تَصطَخِبُ اِصطِخابا

تَناهَبنَ الثَناءَ بِصَبرِ يَومٍ
بِهِ الأَرواحُ تُنتَهَبُ اِنتِهابا

تَنادَوا فَاِنبَرَت مِن كُلِّ فَجٍّ
سَوابِقُ يُنتَجَبنَ لَنا اِنتِجابا

فَما كانوا لَنا إِلّا أَسارى
وَما كانَت لَنا إِلّا نِهابا

كَأَنَّ نَدي بنَ جَعفَرَ قادَ مِنهُم
هَدايا لَم يُرِغ عَنها ثَوابا

وَشَدّوا رَأيَهُم بِبَني قُرَيعٍ
فَخابوا لا أَبا لَهُم وَخابا

وَسُقناهُم إِلى الحيرانِ سَوقًا
كَما نَستاقُ آبالًا صِعابا

سَقَينا بِالرِماحِ بَني قُشَيرٍ
بِبَطنِ العُثيَرِ السُمَّ المُذابا

فَلَمّا اِشتَدَّتِ الهَيجاءُ كُنّا
أَشَدَّ مَخالِبًا وَأَحَدَّ نابا

وَأَمنَعَ جانِبًا وَأَعَزَّ جارًا
وَأَوفى ذِمَّةً وَأَقَلَّ عابا

وَنَكَّبنا الفُرُقلُسَ لَم نَرِدهُ
كَأَنَّ بِنا عَنِ الماءِ اِجتِنابا

وَأَمطَرنَ الجِباهَ بِمُرجَحِنَّ
وَلَكِن بِالطِعانِ المُرِّ صابا

وَجُزنَ الصَحصَحانِ يَخِدنَ وَخدًا
وَيَجتَبنَ الفَلاةَ بِنا اِجتِنابا

وَمِلنَ عَنِ الغُوَيرِ وَسِرنَ حَتّى
وَرَدنَ عُيونَ تَدمُرَ وَالجِبابا

قَرَينا بِالسَماوَةِ مِن عُقَيلٍ
سِباعَ الأَرضِ وَالطَيرِ السِغابا

وَبِالصَبّاحِ وَالصَبّاحُ عَبدٌ
قَتَلنا مِن لُبابِهِمُ اللُبابا

تَرَكنا في بُيوتِ بَني المُهَنّا
نَوادِبَ يَنتَحِبنَ بِها اِنتِحابا

شَفَت فيها بَنو بَكرٍ حُقودًا
وَغادَرَتِ الضَبابَ بِها ضَبابا

وَأَبعَدنا لِسوءِ الفِعلِ كَعبًا
وَأَدنَينا لِطاعَتِها كِلابا

وَشَرَّدنا إِلى الجَولانِ طَيئًا
وَجَنَّبنا سَماوَتَها جِنابا

سَحابٌ ما أَناخَ عَلى عُقَيلٍ
وَجَرَّ عَلى جِوارِهِمُ ذُبابا

وَمِلنا بِالخُيولِ إِلى نُمَيرٍ
تُجاذِبُنا أَعِنَّتَها جِذابا

بِكُلِّ مُشَيِّعٍ سَمحٍ بِنَفسٍ
يَعِزُّ عَلى العَشيرَةِ أَن يُصابا

وَما ضاقَت مَذاهِبُهُ وَلَكِن
يُهابُ مِنَ الحَمِيَّةِ أَن يُهابا

وَيَأمُرَنا فَنَكفيهِ الأَعادي
هُمامٌ لَو يَشاءُ كَفى وَنابا

فَلَمّا أَيقَنوا أَن لاغِياثٌ
دَعَوهُ لِلمَغوثَةِ فَاِستَجابا

وَعادَ إِلى الجَميلِ لَهُم فَعادوا
وَقَد مَدّوا لِصارِمِهِ الرِقابا

أَمَرَّ عَلَيهِمُ خَوفًا وَأَمنًا
أَذاقَهُمُ بِهِ أَريًا وَصابا

أَحَلَّهُمُ الجَزيرَةَ بَعدَ يَأسٍ
أَخو حِلمٍ إِذا مَلَكَ العِقابا

دِيارُهُمُ اِنتَزَعناها اِنتِزاعًا
وَأَرضُهُمُ اِغتَصَبناها اِغتِصابا

وَلَو شِئنا حَمَيناها البَوادي
كَما تَحمي أُسودُ الغابِ غابا

إِذا ما أَنهَضَ الأُمراءُ جَيشًا
إِلى الأَعداءِ أَنفَذنا كِتابا

أَنا اِبنُ الضارِبينَ الهامَ قِدمًا
إِذا كَرِهَ المُحامونَ الضِرابا

أَلَم تَعلَم وَمِثلُكَ قالَ حَقًّا
بِأَنّي كُنتُ أَثقَبَها شِهابا

إرسال تعليق

0 تعليقات