ألم تسأل بعارمة الديارا لـ الراعي النميري

أَلَم تَسأَل بِعارِمَةَ الدِيارا
عَنِ الحَيِّ المُفارِقِ أَينَ سارا

بِجانِبِ رامَةٍ فَوَقَفتُ يَومًا
أُسائِلُ رَبعَهُنَّ فَما أَحارا

مَنازِلُ حَولَها بَلَدٌ رِقاقٌ
تَجِرُّ الرامِساتُ بِها الغُبارا

أَقَمنَ بِها رَهينَةَ كُلِّ نَحسٍ
فَما يَعدَمنَ ريحًا أَو قِطارا

وَرَجّافًا تَحِنُّ المُزنُ فيهِ
تَرَجَّزَ مِن تِهامَةَ فَاِستَطارا

فَمَرَّ عَلى مَنازِلِها فَأَلقى
بِها الأَثقالَ وَاِنتَحَرَ اِنتِحارا

إِذا ما قُلتُ جاوَزَها لِأَرضٍ
تَذاءَبَتِ الرِياحُ لَهُ فَحارا

وَأَبقى السَيلُ وَالأَرواحُ مِنها
ثَلاثًا في مَنازِلِها ظُؤارا

أُنِخنَ وَهُنَّ أَغفالٌ عَلَيها
فَقَد تَرَكَ الصِلاءُ بِهِنَّ نارا

وَذاتِ أَثارَةٍ أَكَلَت عَلَيها
نَباتًا في أَكِمَّتِهِ قِفارا

جُمادِيًّا تَحِنُّ المُزنُ فيهِ
كَما فَجَّرتَ في الحَرثِ الدِبارا

رَعَتهُ أَشهُرًا وَخَلا عَلَيها
فَطارَ النَيُّ فيها وَاِستَغارا

طَلَبتُ عَلى مَحالِ الصُلبِ مِنها
غَريبَ الهَمِّ قَد مَنَعَ القَرارا

فَأُبتُ بِنَفسِها وَالآلُ مِنها
وَقَد أَطعَمتَ ذِروَتَها السِفارا

وَأَخضَرَ آجِنٍ في ظِلِّ لَيلٍ
سَقَيتُ بِجَمِّهِ رَسَلًا حِرارا

بِدَلوٍ غَيرِ مُكرَبَةٍ أَصابَت
حَمامًا في مَساكِنِهِ فَطارا

سَقَيناها غِشاشًا وَاِستَقَينا
نُبادِرُ مِن مَخافَتِها النَهارا

فَأَقبَلَها الحُداةُ بَياضَ نَقبٍ
وَفَجّا قَد رَأَينَ لَهُ إِطارا

بِحاجاتٍ تَحَضَّرَها عَدُوٌّ
فَما يَسطيعُها إِلّا خِطارا

تُرَجّي مِن سَعيدِ بَني لُؤَيٍّ
أَخي الأَعياصِ أَنواءً غِزارا

تَلَقّى نَوءُهُنَّ سِرارَ شَهرٍ
وَخَيرُ النَوءِ ما لَقِيَ السِرارا

كَريمٌ تَعزُبُ العِلّاتُ عَنهُ
إِذا ما حانَ يَومًا أَن يُزارا

مَتى ما يُجدِ نائِلَهُ عَلَينا
فَلا بُخلًا تَخافُ وَلا اِعتَذارا

هُوَ الرَجُلُ الَّذي نَسَبَت قُرَيشٌ
فَصارَ المَجدُ مِنها حَيثُ ضارا

وَأَنضاءٍ أُنِخنَ إِلى سَعيدٍ
طُروقًا ثُمَّ عَجَّلنَ اِبتِكارا

عَلى أَكوارِهِنَّ بَنو سَبيلٍ
قَليلٌ نَومُهُم إِلّا غِرارا

حَمِدنَ مَزارَهُ فَأَصَبنَ مِنهُ
عَطاءً لَم يَكُن عِدَةً ضِمارا

فَصَبَّحنَ المِقَرَّ وَهُنَّ خوصٌ
عَلى روحٍ يُقَلِّبنَ المَحارا

وَغادَرنَ الدَجاجَ يُثيرُ طَورًا
مَبارِكَها وَيَستَوفي الجِدارا

كَأَنَّ العِرمِسَ الوَجناءَ مِنها
عَجولٌ خَرَّقَت عَنها الصِدارا

تَراها عَن صَبيحَةِ كُلِّ خَمسٍ
مُقَدَّمَةً كَأَنَّ بِها نِفارا

مِنَ العيسِ العِتاقِ تَرى عَلَيها
يَبيسَ الماءِ قَد خَضِبَ التِجارا

إِذا سَدِرَت مَدامِعُهُنَّ يَومًا
رَأَت إِجلًا تَعَرَّضَ أَو صِوارا

بِغائِرَةٍ نَضا الخُرطومُ عَنها
وَسَدَّت مِن خِشاشِ الرَأسِ غارا

يَضَعنَ سِخالَهُنَّ بِكُلِّ فَجٍّ
خَلاءٍ وَهيَ لازِمَةٌ حُوارا

كَأَحقَبَ قارِحٍ بِذَواتِ خَيمٍ
رَأى ذُعرًا بِرابِيَةٍ فَغارا

يُقَلِّبُ سَمحَجًا قَوداءَ كانَت
حَليلَتَهُ فَشَدَّ بِها غِيارا

نَفى بِأَذاتِهِ الحَولِيَّ عَنها
فَغادَرَها وَإِن كَرِهَ الغِدارا

وَقَرَّبَ جانِبَ الغَربِيِّ يَأدو
مَدَبَّ السَيلِ وَاِجتَنَبَ الشِعارا

أَطارَ نَسيلَهُ الشَتَوِيَّ عَنهُ
تَتَبُّعُهُ المَذانِبَ وَالقِرارا

فَلَمّا نَشَّتِ الغُدرانُ عَنهُ
وَهاجَ البَقلُ وَاِقطَرَّ اِقطِرارا

غَدا قَلِقًا تَخَلّى الجُزءُ مِنهُ
فَيَمَّمَها شَريعَةَ أَو سَرارا

يُغَنّيها رَبَحُّ الصَوتِ جَأبٌ
خَميصُ البَطنِ قَد أَجِمَ الحَسارا

إِذا اِحتَجَبَت بَناتُ الأَرضِ عَنهُ
تَبَسَّرَ يَبتَغي فيها البِسارا

كَأَنَّ الصُلبَ وَالمَتنَينِ مِمهُ
وَإِيّاها إِذا اِجتَهَدا حِضارا

رِشاءُ مَحالَةٍ في يَومِ وِردٍ
يَمُدُّ حِطاطُها المَسَدَ المُغارا

تَعَرَّضَ حينَ قَلَّصَتِ الثُرَيّا
وَقَد عَرَفَ المَعاطِنَ وَالمَنارا

وَهابَ جَنانَ مَسجورٍ تَرَدّى
مِنَ الحَلفاءِ وَاِتَّزَرَ اِتِّزارا

فَصادَفَ مَورِدَ العاناتِ مِنهُ
بِأَبطَحَ يَحتَفِرنَ بِهِ الغِمارا

فَسَوّى في الشَريعَةِ حافِرَيهِ
وَدارَت إِلفُهُ مِن حَيثُ دارا

وَقَد صَفّا خُدودَهُما وَبَلّا
بِبَردِ الماءِ أَجوافًا حِرارا

وَفي بَيتِ الصَفيحِ أَبو عِيالٍ
قَليلُ الوَفرِ يَغتَبِقُ السَمارا

يُقَلِّبُ بِالأَنامِلِ مُرهَفاتٍ
كَساهُنَّ المَناكِبَ وَالظُهارا

يَبيتُ الحَيَّةُ النَضناضُ مِنهُ
مَكانَ الحِبِّ يَستَمِعُ السِرارا

فَيَمَّمَ حَيثُ قالَ القَلبُ مِنهُ
بِحَجرِيٍّ تَرى فيهِ اِضطِمارا

فَصادَفَ سَهمُهُ أَحجارَ قُفٍّ
كَسَرنَ العَيرَ مِنهُ وَالغِرارا

فَريعا رَوعَةً لَو لَم يَكونا
ذَوى أَيدٍ تَمَسُّ الأَرضَ طارا

بَلى ساءَلتُها فَأَبَت جَوابًا
وَكَيفَ تُسائِلُ الدِمَنَ القِفارا

إِذا كانَ الجِراءُ عَفَت عَلَيهِ
وَيَسبِقُها إِذا خَبَطَت خِبارا

إرسال تعليق

0 تعليقات