يا أَهلِ ما بالُ هَذا اللَيلِ في صَفَرِ
يَزدادُ طولًا وَما يَزدادُ مِن قِصَرِ
في إِثرِ ما قُطِّعَت مِنّي قَرينَتُهُ
يَومَ الحَدالى بِأَسبابٍ مِنَ القَدَرِ
كَأَنَّما شُقَّ قَلبي يَومَ فارَقَهُم
قِسمَينِ بَينَ أَخي نَجدٍ وَمُنحَدِرِ
هُمُ الأَحِبَّةَ أَبكي اليَومَ إِثرَهُمُ
قَد كُنتُ أَطرَبُ إِثرَ الجيرَةِ الشُطُرِ
فَقُلتُ وَالحُرَّةُ الرَجلاءُ دونَهُمُ
وَبَطنُ لَجّانَ لَمّا اِعتادَني ذِكَري
صَلّى عَلى عَزَّةَ الرَحمانُ وَاِبنَتِها
لَيلى وَصَلّى عَلى جاراتِها الأُخَرِ
هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبّاتَ أَحمِرَةٍ
سودُ المَحاجِرِ لا يَقرَأنَ بِالسُوَرِ
وارَينَ وَحفًا رِواءً في أَكِمَّتِهِ
مِن كَومِ دَومَةَ بَينَ السيحِ وَالجُدُرِ
تَلقى نَواطيرَهُ في كُلِّ مَرقَبَةٍ
يَرمونَ عَن وارِدِ الأَفنانِ مُنهَصِرِ
يَسبينَ قَلبي بِأَطرافٍ مُخَضَّبَةٍ
وَبِالعُيونِ وَما وارَينَ بِالخُمُرِ
عَلى تَرائِبِ غِزلانٍ مُفاجَأَةٍ
ريعَت فَأَقبَلنَ بِالأَعناقِ وَالعُذَرِ
لا تَعمَ أَعيُنُ أَصحابٍ أَقولُ لَهُم
بِالأَنبَطِ الفَردِ لَمّا بَذَّهُم بَصَري
هَل تُؤنِسونَ بِأَعلى عاسِمٍ ظُعُنًا
وَرَّكنَ فَحلَينِ وَاِستَقبَلنَ ذا بَقَرِ
بَيَّنَهُنَّ بِبَينٍ ما يُبَيِّنُهُ
صَحبي وَما بِعُيونِ القَومِ مِن عَوَرِ
يَبدونَ حينًا وَأَحيانًا يُغَيِّبُهُم
مِنّي مَكامِنُ بَينَ الجَرِّ وَالحَفَرِ
تَحدو بِهِم نَبَطٌ صُهبٌ سِبالُهُمُ
مِن كُلِّ أَحمَرَ مِن حَورانَ مُؤتَجَرِ
عَومَ السَفينِ عَلى بُختٍ مُخَيَّسَةٍ
وَالبُختُ كاسِيَةُ الأَعجازِ وَالقَصَرِ
كَأَنَّ رِزَّ حُداةٍ في طَوائِفِهِم
نَوحَ الحَمامِ يُغَنّي غايَةَ العُشَرِ
أَتبَعتُ آثارَهُم عَينًا مُعَوَّدَةً
سَبقَ العُيونِ إِذا اِستُكرِهنَ بِالنَظَرِ
وَبازِلٍ كَعَلاةِ القَينِ دَوسَرَةٍ
لَم يُجذِ مِرفَقُها في الدَفِّ مِن زَوَرِ
كَأَنَّها ناشِطٌ حُرٌّ مَدامِعُهُ
مِن وَحشِ جِبرانَ بَينَ القِنعِ وَالضَفَرِ
باتَ إِلى هَدَفٍ في لَيلِ سارِيَةٍ
يَغشى العِضاهَ بِرَوقٍ غَيرِ مُنكَسِرِ
يُخاوِشُ البَركَ عَن عِرقٍ أَضَرَّ بِهِ
تَجافِيًا كَتَجافي القَرمِ ذي السَرَرِ
إِذا أَتى جانِبًا مِنها يُصَرِّفُهُ
تَصَفُّقُ الريحِ تَحتَ الديمَةِ الدِرَرِ
حَتّى إِذا إِنجَلَت عَنهُ عَمايَتُهُ
وَقَلَّصَ اللَيلُ عَن طَيّانَ مُضطَمِرِ
غَدا كَطالِبِ تَبلٍ لا يُوَرِّعُهُ
دُعاءُ داعٍ وَلا يَلوي عَلى خَبَرِ
فَصَبَّحَتهُ كِلابُ الغَوثِ يُؤسِدُها
مُستَوضِحونَ يَرَونَ العَينَ كَالأَثَرِ
أَوجَسَ بِالأُذنِ رِزًّا مِن سَوابِقِها
فَجالَ أَزهَرُ مَذعورٌ مِنَ الخَمَرِ
وَاِجتازَ لِلعُدوَةِ القُصوى وَقَد لَحِقَت
غُضفٌ تَكَشَّفُ عَنها بُلجَةُ السَحَرِ
فَكَرَّ ذو حَوزَةٍ يَحمي حَقيقَتَهُ
كَصاحِبِ البَزِّ مِن حَورانَ مُنتَصِرِ
فَظَلَّ سابِقُها في الرَوضِ مُعتَرِضًا
كَالشَنِّ لاقى قَناةَ اللاعِبِ الأَشِرِ
فَرَدَّها ظُلُعًا تَدمى فَرائِصُها
لَم تُدمَ فيهِ بِأَنيابٍ وَلا ظُفُرِ
فَظَلَّ يَعلو لِوى دِهقانَ مُعتَرِضًا
يَردي وَأَظلافُهُ صُفرٌ مِنَ الزَهَرِ
أَذاكَ أَم مِسحَلٌ جَونٌ بِهِ جُلَبٌ
مِنَ الكِدامِ فَلا عَن قُرَّحٍ نُزُرِ
قُبِّ البُطونِ نَفى سِربالَ شِقوَتِها
سِربالُ صَيفٍ رَقيقٍ لَيِّنُ الشَعَرِ
لَم يَبرِ جَبلَتَها حَملٌ تُتابِعُهُ
بَعدَ اللِطامِ وَلَم يَغلُظنَ مِن عُقُرِ
كَأَنَّها مُقُطٌ ظَلَّت عَلى قِيَمٍ
مِن ثُكدَ وَاِعتَرَكَت في مائِهِ الكَدِرِ
شُقرٌ سَماوِيَّةٌ ظَلَّت مُحَلَّأَةً
بِرِجلَةِ التَيسِ فَالرَوحاءِ فَالأَمَرِ
كانَت بِجُزءٍ فَمَلَّتها مَشارِبُهُ
وَأَخلَفَتها رِياحُ الصَيفِ بِالغُدُرِ
فَراحَ قَبلَ غُروبِ الشَمسِ يَصفِقُها
صَفقَ العَنيفِ قِلاصَ الخائِفِ الحَذِرِ
يَخرِجنَ بِاللَيلِ مِن نَقعٍ لَهُ عُرُفٌ
بِقاعِ أَمعَطَ بَينَ السَهلِ وَالصِيَرِ
حَتّى إِذا ما أَضاءَ الصُبحُ وَاِنكَشَفَت
عَنهُ نَعامَةَ ذي سِقطَينِ مُعتَكِرِ
وَصَبَّحَت بِرَكَ الرَيّانِ فَاِتَّبَعَت
فيهِ الجَحافِلُ حَتّى خُضنَ بِالسُرَرِ
حَتّى إِذا قَتَلَت أَدنى الغَليلِ وَلَم
تَملَأ مَذاخِرَها لِلرَيِّ وَالصَدَرِ
وَصاحِبا قُترَةٍ صُفرٌ قِسِيُّهُما
عِندَ المَرافِقِ كَالسيدَينِ في الحُجُرِ
تَنافَسا الرَميَةَ الأولى فَفازَ بِها
مُعاوِدُ الرَميِ قَتّالٌ عَلى فُقَرِ
حَتّى إِذا مَلَأَ الكَفَّينِ أَدرَكَهُ
جَدٌّ حَسودٌ وَخانَت قُوَّةُ الوَتَرِ
فَاِنصَعنَ أَسرَعَ مِن طَيرٍ مُغاوِلَةٍ
تَهوي إِلى لابَةٍ مِن كاسِرٍ خَدِرِ
إِذا لَقينَ عُروضًا دونَ مَصنَعَةٍ
وَرَّكنَ مِن جَنبِها الأَقصى لِمُحتَضِرِ
فَأَطلَعَت فِرزَةَ الآجامِ جافِلَةً
لَم تَدرِ أَنّى أَتاها أَوَّلُ الذُعُرِ
فَأَصبَحَت بَينَ أَعلامٍ بِمُرتَقَبٍ
مُقوَرَّةً كَقِداحِ الغارِمِ اليَسَرِ
يَزُرُّ أَكفالَها غَيرانُ مُبتَرِكٌ
كَاللَوحِ جُرِّدَ دَفّاهُ مِنَ الزُبُرِ
يَجتابُ أَذرَأُها وَالتُربُ يَركَبُهُ
تَرَسُّمَ الفارِطِ الظَمآنِ في الأَثَرِ
0 تعليقات