ولما رمى بالأربعين وراءه لـ علي بن الجهم

وَلَمّا رَمى بِالأَربَعينَ وَراءَهُ
وَقارَعَ مِ الخَمسينَ جَيشًا عَرَمرَما

تَذَكَّرَ مِن عَهدِ الصِبا ما تَصَرَّما
وَحَنَّ فَلَم يَترُك لِعَينَيهِ مُسجَما

وَجَرَّ خِطامًا أَحكَمَ الشَيبُ عَقدَهُ
وَقَدَّمَ رِجلًا لَم تَجِد مُتَقَدَّما

وَأَنكَرَ إِغفالَ العُيونِ مَكانَهُ
وَقَد كُنَّ مِن أَشياعِهِ حَيثُ يَمَّما

هُوَ الدَهرُ لا يُعطيكَ إِلّا تَعِلَّةً
وَلا يَستَرِدُّ العُرفَ إِلّا تَغَنُّما

عَزاءً عَنِ الأَمرِ الَّذي فاتَ نَيلُهُ
وَصَبرًا إِذا كانَ التَصَبُّرُ أَحزَما

فَلَم أَرَ مِثلَ الشَيبِ لاحَ كَأَنَّهُ
ثَنايا حَبيبٍ زارَنا مُتَبَسِّما

فَلَما تَراءَتهُ العُيونُ تَوَسَّمَت
بَديهَةَ أَمرٍ تَذعَرُ المُتَوَسِّما

فَلا وَأَبيكَ الخَيرِ ما اِنفَكَّ ساطِعٌ
مِنَ الشَيبِ يَجلو مِن دُجى اللَيلِ مُظلِما

إِلى أَن أَعادَ الدُهمَ شُهبًا وَلَم يَدَع
لَنا مِن شِياتِ الخَيلِ أَقرَحَ أَرثَما

هَلِ الشَيبُ إِلّا حِليَةٌ مُستَعارَةٌ
وَمُنذِرُ جَيشٍ جاءَنا مُتَقَدِّما

فَها أَنا مِنهُ حاسِرٌ مُتَعَمِّمٌ
وَلَم أَرَ مِثلي حاسِرًا مُتَعَمِّما

كَأَنَّ مَكانَ التاجِ سِلكًا مُفَصَّلًا
بِنَورِ الخُزامى أَو جُمانًا مُنَظَّما

وَضِيءٌ كَنَصلِ السَيفِ إِن رَثَّ غِمدُهُ
إِذا كانَ مَصقولَ الغِرارَينِ مِخذَما

إِذا لَم يَشِب رَأسٌ عَلى الجَهلِ لَم يَكُن
عَلى المَرءِ عارٌ أَن يَشيبَ وَيَهرَما

خَليلَيَّ كُرًّا ذِكرَ ما قَد تَقَدَّما
وَإِن هاجَتِ الذِكرى فُؤادًا مُتَيَّما

فَإِن حَديثَ اللَهوِ لَهوٌ وَرُبَّما
تَسَلّى بِذِكرِ الشَيءِ مَن كانَ مُغرَما

خَليلَيَّ مِن فَرعَي قُرَيشٍ رُزيتُما
فَتىً قارَعَ الأَيّامَ حَتّى تَثَلَّما

وَأَحكَمُهُ التَجريبُ حَتّى كَأَنَّما
يُعايِنُ مِن أَسرارِهِ ما تَوَهَّما

وَمَن ضَعُفَت أَعضاؤُهُ اِشتَدَّ رَأيُهُ
وَمَن قَوَّمَتهُ الحادِثاتُ تَقَوَّما

خُذا عِظَةً مِن أَحوَذِيٍّ تَقَلَّبَت
بِهِ دُوَلُ الأَيّامِ بُؤسًا وَأَنعُما

إِذا رَفَعَ السُلطانُ قَومًا تَرَفَّعوا
وَإِن هَدَمَ السُلطانُ مَجدًا تَهَدَّما

إِذا ما اِمرُؤٌ لَم يُرشِدِ العِلمُ لَم يِجِد
سَبيلَ الهُدى سَهلًا وَإِن كانَ مُحكَما

وَلَم أَرَ فَرعًا طالَ إِلّا بِأَصلِهِ
وَلَم أَرَ بَدءَ العِلمِ إِلّا تَعَلُّما

وَمَن قارَعَ الأَيّامَ أَوفَرَ لُبَّهُ
وَمَن جاوَرَ الفَدمَ العَيِيَّ تَفَدَّما

وَلَم أَرَ أَعدى لِاِمرِئٍ مِن قَرابَةٍ
وَلا سِيَّما إِن كانَ جارًا أَوِ اِبنَما

وَمَن طَلَبَ المَعروفَ مِن غَيرِ أَهلِهِ
أَطالَ عَناءً أَو أَطالَ تَنَدُّما

وَمَن شَكَرَ العُرفَ اِستَحَقَّ زِيادَةً
كَما يَستَحِقُّ الشُكرَ مَن كانَ مُنعِما

وَمَن سامَحَ الأَيّامَ يَرضَ حَياتَهُ
وَمَن مَنَّ بِالمَعروفِ عادَ مُذَمَّما

وَمَن نافَسَ الإِخوانَ قَلَّ صَديقُهُ
وَمَن لامَ صَبًّا في الهَوى كانَ أَلوَما

أَما وَأَميرِ المُؤمِنينَ لَقَد رَمى ال
عَدُوَّ فَلا نِكسًا وَلا مُتَهَضِّما

وَلا ناسِيًا ما كانَ مِن حُسنِ رَأيِهِ
لِخُطَّةِ خَسفٍ سامَنيها مُحَتِّما

عُلوقًا بِأَسبابِ النَبِيِّ وَإِنَّما
يُحِبُّ بَني العَبّاسِ مَن كانَ مُسلِما

لَعَلَّ بَني العَبّاسِ يَأسو كُلومَهُم
فَيَجبُرَ مِنّي هاشِمٌ ما تَهَشَّما

إرسال تعليق

0 تعليقات