بنور تجلى وجه قدسك دهشتي
وفيك على أن لا خفا بك حيرتي
فيا أقرب الأشياء من كل نظرة
لأبعد شيء أنت عن كل رؤية
ظهرت فلما أن بهرت تجليا
بطنت بطونًا كاد يقضي بردتي
فأوقعت بين العقل والحس عندما
خفيت خلافا لا يزول بصلحه
إذا ما أدعى عقل وجودك منكرًا
على الحس ما ينفيه قال له أثبت
فمن ها هنا منشأ الخلاف ويص
عب الوفاق بخلف في اقتضاء الجبلة
فإنت قلت لم أبصرك في كل صورة
أراها أحالت ذاك عين بصيرتي
وإن قلت أني مبصر لك أنكرت
مقالي ولم تشهد بذلك مقلتي
تجليت مني في حتى ظهرت لي
خفيت خفاء دق عن كل فكرة
على أنه لم يبق لي جبل رأى
تجليك لي ألا ودك بصعقة
وناجيتني في السر مني فأصبحت
وقد طويت عما سواك طويتي
فما في فضل عنك يخطر فيه لي
سواك فوقتي فيك غير موقت
وديعة روح القدس نفسك ردها
فمن واجبات العقل رد الوديعة
وما ردها إلا بتكميلها بما
يليق بها من كسب كل فضيلة
فمهما تجلت من كدورات عالم
الطبيعة شفت جوهرًا وتجلت
نصحتك جهدي أن قبلت فلا تكن
على حكم غشى حاملًا لنصيحة
وعابة مقدوري فقلت وإنما
قبولك مما ليس في وسعد قدرتي
وهل ممكن إسعاد من كل قد جرى
له قلم في اللوح يومًا بشقوة
يظن الفتى لذات دنياه نعمة
وما هي إلا نقمة في الحقيقة
ويبلغ منه الجهل ما ليس يبلغ
العدو بحد السيف عند الحضيضة
ونفسك فاحفظها وصنها فإنما
سعادتها في فعل كل مشقة
وخالف هواها ما استطعت فأنه
عدو لها يبغي لها كل نكبة
لعمري لقد أنذرت إنذار مشفق
وجاوزت في الإيضاح حد الوصية
فقم واسع وانهض واجتهد وابغ مطلقًا
بداك على ما فيك شر صنيعة
فإنك من نور مضيء وكظلمة
بما فيك من جسم ونفس نفيسة
تسوس الحياة الجسم وهي مسوسة
بما فيك من أسرار علم مصونة
فشيطان رجم أنت أو ملك بما
تعانيه من فعل قبيح وعفة
ألا أن لي بالنفس مني شاغلًا
به تم لي ما دمع من ملكية
جلت شبهة الأعراض عني بديهة
توقد كالمصباح في جوهريتي
رأيت بها النور الإلهي لائحًا
وراء ستور للأمور دقيقة
فحققت ما قد كنت فيه مشككًا
وعاينت ما قد كان في سر خفية
وأدركت ما المقصود من بدأتي وما
المراد بإحيائي وموتي ورجعتي
بمرآة نفس لاح في صقالها
المقابل للكونين كل حقيقة
ولم يبق عندي ريبة في الذي استرا
ب منه أناس في أمور كثيرة
فألقت عصاها النفس مني وأيقنت
بأن سفرت عن وجه نجعي سفرتي
يدل على ما قلته حالة الكرى
إذا ركد الإحساس منك برقدةٍ
فما شفيت نفس أطاعته رهبة
وما سعدت نفس عصته لرغبة
ولكن بنور العلم تسلم هذه
وتعطب جهلًا تيك أقبح عطبه
فيا عجبًا ممن يروم لنفسه
خلاصًا ولم يرغب بها عن جريرة
ومن تائب من ذلة لا ترى له
دموع كأفواه الغمام المكبة
ومن مخبر لا يعجز اللَه قدره
عليه ولا يخشى بوادر نقمة
ومن أشرقت أنوار مرآة عقله
على ظلمات الطبع منه تجلت
وثبت غرس العقل في القلب مثمرًا
لباغي الحيا استقباح كل رذيلة
وما وصلت نفس إلى عالم الصفا
بما دون تحصيل العلوم الجلية
وتمييزها عن نوعها بمعارف
يروجها في عالم البشرية
وقد يملأ الأناء فيمتلئ
به الماء حتى لا مزيد لقطرة
فأخرجتني عني بإدخال محنة
وأوحشتني مني بأنس محبة
وأسقيتني من خمر حبك شربة
خماري بها باق إلى يوم بعثتي
محاني بها سكري واثبتني معًا
فأعجب شيء أن ما حي مثبتي
وأقربتني من رمز طرسي أسطرًا
فتمت بها تفصيل عقدك جملتي
وأقررتني مني على بأنني
صحيفة سر طيها فيه نشرتي
وأفشيت بي سري إلي فأصبحت
وقد أعربت إذ أفصحت عنه عجمتي
وأفهمتني مني بأن ليس موطني
مكانًا به في عالم الحس نشأتي
فأبهت ما أفهمت إذ ليس مدرك
لذلك إلا من خصصت بحكمة
ومن ذا الذي خصصت منك بحكمة
ولم تك قد عممت منك برحمة
فكم أظهرت تلك الإشارات خافيا
وإن عزبت عن فهم قومٍ ودقت
وما لاح ذاك البرق إلا ليهتدي
به الركب لكن ظلمة الجهل أعمت
لقد سمع الواعي وقل الذي وعى
لسكرٍ به أهوى أصمت فأصمت
وكم لك داع منك فيك مبصر
لعقلك لكن لست تصغي لدعوة
وكل مريض الجسم يمكن برؤه
ويعجز أن يشفى مريض البديهة
ويستبعد الجهال كونًا بموطن
إذ كان لا في جنب منبت شعبة
ولو علموا ما عالم العقل منهم
وأنهم بالحس في دار غربة
إذا ولد المولود سروا بفرحة
ومن حقه أن يبدلوها بترحة
ويبكونه عند الممات جهالة
ومن حقه أطهار كل مسرة
ولم يعلموا أن الولادة غربة
أبيحت له عن خير دار وأسرة
وموتته عود له نحو أهله
وأوطانه الأصلية المستلذة
وأعجم من هذا مقال جميعهم
ترى عابدي الأوثان أجهل أمة
وما عظم الأوثان من كان قلبهم
كتعظيم أجسام لهم مضمحلة
فكل غدا معبوده الجسم فاستووا
ولكنهم لم يستووا عند نية
لقد وقعوا مع علمهم في ظلالة
إذا اعتبرت أربت على كل ضلة
فيا ليت شعري كيف صمت عقولهم
وداعيك فيهم مسمع من كل كل فطنة
وكل فعال لم أكن متقربًا
إلي به أعظمت فيه خطيتي
فقربي به بعد وربحي خسارة
وعزي به ذل ونفعي مضري
لأني فيه قمت غير موجه
لدى فعله وجهي إلى وجه وجهتي
فدنت بأمر حرمته شريعتي
وأحييت حكمًا قد أماتته سنتي
فكانت بتركي في مناهيه غفلتي
نهاية تأديبي وفرط عقوبتي
تشتت عقلي فيك بعد تجمع
كما اجتمعت بلواي بعد تشتت
هوىً فيك لي لا منتهى لامتداده
لدي ولا منه خلاص بلوة
أزيد بلىً إذ يستجد ولم يكن
بتجديد صبري فيه أبىل بليتي
ويبدي أولا منه وآخر
فقد شف جسمي سر عودٍ وبدأةٍ
ألا لا تلمني أن شطحت فإنه
قليل لسكر حل بي منك شطحتي
ولا تنهني أن تهت سكرًا معربدًا
فأنت الذي استحسنت فيك هنيكتي
ولا تلحأن غنيت فيك تطربًا
فلو وجدت وجدي الجبال لغنت
ومن عجب حمل الجبال هوى به
طلعت وعن حملي قديمًا تأبت
فمن قيس ليلى العامرية في الهوى
ومن قيس لبنى أو كثير عزة
إذا تليت ذكري فقابل ال
مجنون ذكري بالسجود لحرمتي
وأوجب كل منهم الوقف عندما
وسلم أن لا قصة مثل قصتي
فمن فضل كاسي شرب غيري ولم يكن
يقاس بسكري سكر شارب فضلتي
يبلبل بالي لا لنوح حمامة
وينهل دمعي لا لإيماض برقة
لو كنت محتاجًا للتنمم باعث
يحرك أشجاني لبانت نقيصتي
ولكنني مني وفي نواعش
تحركني في كل سرٍ وجهرة
فلا رقدة تغدو علي بفترةٍ
ولا يقظة تغدو علي بغفلة
فمن يشك يومًا في هواه فإنني
لي الشكر أولى في الهوى من شكيتي
تسترت جهدي في هواك وطاقتي
فلما منعت الصبر أبديت صفحتي
فأعلنت ما أسررت فيك فلم يكن
بقول ولا فعل سواك فضيحتي
فما لاشتياقي في افتضاحي مدخل
ولا لدموع فيك لي مستهلة
وقد كان لي في الصبر ستر على الهوى
بهتكك ستر الصبر أظهرت عورتي
فلا تذهب في الحب يشبه مذهبي
ولا ملة فيه تقاس بملتي
بكل لساني عن صفاتي وإنما
يعبر عني أنني ذات وحدة
فكل نعيم دون وصلي شقوة
وكل ملذ مؤلم عند لذتي
وكل سبيل ليس يفضي سلوكه
إلي فقد أفضى إلى كل خيبة
ولالا هوىً لي فيك يحملني على
حنوي لم أعهد إليك بلفظة
وكنت إذا زلت بك النعل هاويًا
أقول ألا فاذهب إلى حيث ألقت
ولكن ما ينجيك ينجي هويتي
كما أن ما يؤذيك نفس أذيتي
وهل أنا إلا أنت ذاتًا ووحدة
وهل أنت إلا نفس عين هويتي
ولولا اعتبار الجسم بالنسبة التي
إليه له ما صح عني سيرتي
ولست بذي شكل فيوجب كثرة
لذاتي ولا جزءًا فتمكن قسمتي
ويقع ما بيني وبينك نسبة
يظن بها غيري لموضع شبهة
وإني لم أهبط إلى الأرض يبتغي
بذلك وضعي بل هبوطي ورفعتي
وتقرير هذا أن دعيت خليفة
وما كنت أدعى قبل ذا بخليفة
وصير ملكي عالم الجسم محنة
لغاية تدبيري ومبلغ حلمتي
فإن أنا أحسنت الولاية أحسنت
إلى العالم العلوي عودي وعزلتي
وعاينت ما لا عاينت مقلة ولا
أحاطت به أذن وعت حس سمعة
وآثرت لذاتي ونيل مآربي
واتبعت نفسي كل شيءٍ أحبت
سددت على نفسي سبيل تخلصي
إلى الملأ الأعلى الذي هو نزهتي
وأوقعتها في أسر من لا يرى لها
مكانًا ولا يحنو عليها بعطفة
فلا ندم يجزي ولا حسرة يرى
بها فرج يرجى لكشف لشدة
فيا ويح نفس آثرت طيب زائل
على طيب باق لا يحد بمدة
يموت الفتى بالجهل من قبل موته
ويحيى بروح العلم من بعد ميتة
فما مات حي العلم يومًا ولم يكن
بحي ممات الجهل مقدار لحظة
وانظر أحوال الرجال وقوفهم
على برزخ ما بين نار وجنة
فأما إلى آلام نفس خبيئة
وأما إلى لذات نفس نفيسة
فآلام تلك الترك في دار غربة
ولذات هذا العود من بعد غربة
وهل حسرة في النفس أعظم غصة
من البعد عن أهل ودار وجيرة
كما أنه لا شيء أعظم لذة
لذي غربة من ملتقى بعد فرقة
كأني لم أحجب بها وكأنما
هي احتجبت بي فازدهى الناس عشقتي
وغودرت لا يثني على حسن فعلي ال
جميل ولا يلوي على حسن طلعتي
ولو قايسوا بالحسن بيني وبينها
لكانت لديهم لا تسام بحبة
وشق القلب الجاهلات التي بها
محبتها قالت بهم عن محبتي
وما ذاك شيء يسقط العذر لامرئ
أطاع الهوى وانقاد عبدًا لشهوةٍ
وهل نافع شق الفؤاد ندامة
لذي قدمٍ زلت ولم تتشبت
فكيف يليق الوصل مني لمؤثر
على طيب وصل وصل من هي عبدتي
إذا رضيت عنه يهون عليه في
رضاها وأدنى ذاك تسهيل غصة
على أنها أعدى عداه ترتبت
له حيلة منها لا مكان فرصة
فهام بها عشقًا وآثر وصلها
فزل فنادمته إلى ألف لعنة
ولولا الشقا والجهل ما آثر العدى
رضاها وجانب طيب وصل الأحبة
وهل أمني بالفضل مثلي وإنما
بمثل طباع السوء نحو الدنية
وتأبى الطباع الفاضلات ارتكابها
الأمور التي تفضي إلى حط رتبة
فكم حسرات في نفوس يثيرها
بعادي إذا ما العيس للبين ذمت
وكم عبرة تجري علي تأسفًا
وقد فات ما لا يسترد بعبرة
وكم قارع سنًا علي ندامة
وآخر مكوي بنيران حسرة
وكم أنةٍ تغدو علي ورنة
بروح إذا ما استشعر القوم فرقتي
وهل هاجري وجدًا بغيري بالغ
رضاي لصب طالب دار هجرة
لشتان من بين المقامين إنما
المبرز من لاهمه غير عشرتي
ألم تر أني منتهي قصد مبدعي
ولم تبدع الأشياء إلا لخدمتي
وإن لإكرامي وتعظيم حرمتي
أشار إلى الأملاك نحوي بسجدة
وصير ما في عالم الكون كله
بحكم إراداتي وطوع مشيتي
فإن كنت في وصل دعيت فلا تمل
إلى وصل غيري واغتنم وصل صحبتي
وخذ جانبًا من رفقة بك وكلوا
ببعدك عن وصلي وإثبات جفوتي
فعند ارتفاع الحجب ما بيننا ترى
محاسن وجه الغانيات وبهجتي
ولا عجنت إلا بحبك طينتي
ولا لهجت إلا بكذرك لهجتي
وردت ورود الهيم فيك من الهوى
شريعة حب هيجت لي غلتي
ولا عجب إن هيجت لي غلة
فما تملك منك أولا محنة
إذا كان بي أمر أرى فيه لي أذى
رضاك فما أحلاه في قلب ذلتي
لذاك ما أرضاك مني فعلته
ولو غضبت منه كرام عشيرتي
وما بعت فيك النفس إلا لعل أن
أفوز بوصلٍ منك تربح صفقتي
فإن أنت أمضيت التبايع بيننا
فبعت وإن لم تمض أكسدت سلعتي
وما قدر نفس لي لديك حقيرة
فأجعلها مهرًا لأشرف وصلة
ولكن مقل بادل فيك جهده
أحق بوصل من أخي كل ثروة
توحشت من أبناء نوعي ولم يكن
لشيء سوى أنسي بقربك وحشتي
تغربت عن أهلي إليك وإنني
ليعذب لي في طيب أنسك غربتي
فكم خلوة قد فزت فيها بجلوة
خرجت بها عني إليك بفرحة
وطلقت فيها عالم الحس بتة
لتعلم أني لا أقول برجعة
وفارقت أوطاني وأهل وجيرتي
لتعلم أني باذل فيك مهجتي
ولولا دخولي في رضاك بكل ما أس
تطعت لعزت فيك عني خرجتي
وكان بودي لو قبلت تقربي
إليك ولكن لست أهلًا لقربة
وهل أنا ألا نطفة من سلالة
لطين وما مقدار قيمة نطفة
لعمري لقد حاولت أمرًا مرامه
عزيز ولكن أنت أهل العطية
وليس اعترافي باتضاعي بمانعي
سؤالك أمرًا دونه قدر قيمتي
وليس على قدر سؤال فإنني
أرى أن قدري دون مقدار ذرة
ولكن على مقدار إحسانك الذي
عممت به تخصيص كوني بخلقتي
ولا أنا مما يخجل الطرد وجهه
فيأنف من عود مخافة طردة
على كل ليس لي عنك مذهب
فيصرفني عن جعل بابك قبلتي
فما شئت فاصنع وارض عني فإنني
أرى كل صنع منك إسباغ نعمة
كفاني اعترافي توبة
وحسبي رضًا على قبولك توبتي
وهل أنا إلا دوحة قد غرستها
فإن لم يصبها وابل منك جفت
إذا حصلت لي كيف ما كان نسبة
إليك فلا أخشى ضياعًا لنسبتي
فيا حيرتي كم حيرة فيك لي غدت
مخصصة بي ما به منك عمت
وكم نعمة أسبغت من سر حكمة
أنرت بها من ناطق كل ظلمتي
وأحببت مني ما أماتت جهالتي
حياةً محال بموتتي
ومن حييت من موتة الجهل نفسه
بعلم نجت من قطع كل منية
وكم مرجة من بحر علم أثرتها
لدي بريح منك أجرت سفينتي
فمرت تشق الكون حين مهبها
ملححة حتى أفادت معيتي
وأدركت معنى آخرًا دق فهمه
أريد بوضع الصورة الألفية
ومن لم يحط علمًا بمعنى وصورة
له فبصير العين أعمى البصيرة
فزرع ولكن لم يفد حصد حبه
ومخض ولكن لم يفد مخض زبدة
إذا جهل الإنسان تحقيق أمره
فكيف بتحقيق الأمور الغريبة
فيا عجبًا للمرء يجهل نفسه
ويطمع في فهم المعاني البعيدة
وما ناهض بالنفس يزداد رتبة
من العلم تسميها كوان مقوت
وما موقظ من رقدة الجهل عقله
لتحصيله تكميلها مثل ميت
إذا كملت نفس الفتى بصفاته ال
جميلة من قول وفعل ترقت
وأصبح يدعي عالم العقل عالمًا
لها وتخطت نفسه كل خطة
وبالعلم بالنفس النفيسة يدرك ال
محصل فهم العلة الأولية
ومن لم يحط علمًا بذاك فإنه
وإن كان حيا حكمه حكم ميت
وما الحي عن العقل من كان غالبًا
على نفسه حكم القوى البدنية
ولكنه من شرفت قدره على
بني نوعه أوصاف نفس زكية
ففي العالم العلوي ذا ملك وذا
لدى العالم السفلي شيطان جنة
وما اختلفا بالنوع حتى يظن ما
به اختلفا فعلًا لخلق الغريزة
وكل أبوه آدم ويخص ذا
لذا خص ذا من سر معنى النبوة
ومن أعجب الأشياء فرعًا أرومة
وما اتحدا بالطبع في الثمرية
بأي لسان أوثر الشكر مثنيًا
عليك بما أوليتني من فضلة
وأكملت من عقلي ووصفي وصورتي
وفهمي وأحشائي وحولي وقوتي
وصفحك عني أن عصيت تكرمًا
ووعدك لي عن طاعتي بالمثوبة
وهل ممكن إحصاء ذرات كلما
على الأرض من كثبان رمل مهيلة
وأحصاء ما في البحر من كل قطرة
بحيث يحيط المحصي منها بعدة
وذلك أمر مستحيل وكلما اس
تحال فمنفي لحكم الضرورة
وما كل هذا لو أتيت بضعفه
من الشكر أدنى شكر أصغر حبة
فكيف بشكري كل عضو وقوة
جعلت لنفعي عند تأليف بنيتي
وشكر التي قد حجبت بي وأنها
لأظهر لي من نور شمس تبدت
بعيدة أطلال الديار قريبة
وأعجب شيء بعد دار قريبة
بها مثل ما بي من هواها وعندها
من الود ما ليس دون مودتي
وقد أدركتها رقة لي أطمعت
بنيل المنى لولا مخافة وفقتي
وقلت لها مني علي بنظرة
أنا بها من حسن وجهك منيتي
ألم تعلمي ما حل بي منك من جوى
وكابدت من أشجان قلب ولوعة
فإن الجبال الشم وهي رواسخ
لو احتملت بعض الذي بي لدكت
فأحزان قلبي لا تجود بسلوة
وأجفان عيني لا تسح بدمعة
ولولا حنيني لم تحن مطية
ولولا نواحي لم تنح ورق أيكة
ولولا خطابي لم يقع عين عابد
علي لما مني الصبابة أبلت
فلا ماء إلا بعض فيض مدامعي
ولا نار إلا دون أنفاس زفرتي
فقالت بعيني ما لقيت وإنه
ليؤلم قلبي أن تشاك بشوكة
وإني على ما في من صلف لها
لراغبة في الوصل أعظم رغبة
ولكن وشاة السوء فيك كثيرة
وليست مع الواشين تمكن رؤيتي
وأنت فعغرى بالحسان وإنني
لأكره ما بي أن أرى وجه ضرتي
ومن لم يصني صنت وجهي ببرقه
وصور فيه صورة دون صورتي
ليمتحن الخطاب لي إذ يرونها
أيلهون عني أم يتمنون خطبتي
وما هي إلا عبدة لي جميلة
تظن وما أفعالها بجميلة
فما كان إلا أن رأى الناس وجهها
فهاموا بها في فج وجه ووجهة
ويعلم ما قد كان بالأمس والذي
يكون غدًا أو كائن بعد برهة
ويخبر بالأمر المغيب مثل ما
يخبر عن ما كان منك بحضرة
ويعلم ما مفهوم معنى معبر
لسامعة عنه بوحي النبوة
وما الوحي إلا خلع نفس قوية
ملابس أحساس على العقل غطت
وأنى لها نحو المحيط بذاتها
على عالم العقل الذي عنه شبت
وإدراك ما يلقى إليها هناك من
إشارات رمز للعقول دقيقة
وأفهام أفهام النفوس لطائف ال
معاني التي ذاتها قد تهيت
وما أطرب الأرواح منا لدى الفنا
سوى نغمات أدركتها قديمة
وذلك أن النفس قبل اتصالها
بتدبيرها الجسم الذي قد تولت
وعى سمعها من طيب ألحان نغمة
ينغمها الأفلاك أعظم لذة
إذا أقبلت أجرامها بأصكاكها
يرجعها في قطعها كل ذروة
وشذت لبعد العهد عنها فلم تكن
تذكرها إلا بتجديد نغمة
فلما أحست بالسماع بمثلها
تذكرت العهد القديم فحنت
وحاولت التجريد عن عالم الفنا
إلى العالم الباقي الذي عنه شذت
فجاذبها الجسم الزمام وأقبلت
تجاذب فاهتزت لذاك برقصة
ولا شك في أن العقول محيلة ال
سامع والأبصار للحس رنت
فإن لم يكن في عالم العقل ما يرى
ويسمع كانت تلك غير مفيدة
وذلك تعطيل وليس بحكمة
يعطلها عماله قد أعدت
وقد يطرب الدولاب عند حنينه
فكيف حنين النغمة الفلكية
وناهيك أن الطفل عند بكائه
يغني فيغشاه سكينة سكتة
ويذهل عما كان فيه من الأذى
وتبدو لنا منه مخايل طربة
ولولا إدكار النفس منه لدى الغنى
عهودًا قديمات لها ما استلذت
وقد تطرب العجماء عند استماعها ال
غناء وتنسى عنده كل غمة
وإلا فما بال المطي إذا ونت
عن السير هيجت في الفلاة بحدوة
فتصغي بالحادي بأسماعها كما
يكون استماع العاقل المتنصت
وتوسع مد الخطو حتى كأنها
سفائن بحر مقلعات بلجة
ويرتاح بعض الطير عند سماعه
تجاوب أوتار إذا هي خشت
وما ذاك إلا أن أفلاكها على
مراكزها لما استدارت فعنت
فصارت بحكم الطبع تشتاق ما به
يخصصها من دون كل مصوت
فلا تحسب الأشياء مهملة كما
توهم أصحاب العقول الضعيفة
وللحوت بل للدود في العود بل لما
سوى ذاك أفلاك عليها أديرت
وفيها لها آفاق جو فسيحة
عليها نراها نحن غير فسيحة
فما خص نوع لا يتم سواه من
مراكز أفلاك وأوضاع هيئة
وكل له عقل يسدده إلى
مقاصد أفعال وترك شديدة
وما النحل في أوضاعها لبيوتها
مسدسة من حكمة بخيلة
وقد يعجز المرء المهندس وضعها
بآلاته الحكمية الهندسية
وجعل لعاب العنكبوت لصيده ال
ذباب شباكًا ليس إلا لخبرة
ويفهم بعض الذر مقصود بعضه
بقوة إدراك لنفس زكية
وحسبك ألف النوع بالنوع شاهد
بمعرفة في طبعه مستحثة
فإن ازدواج الشكل بالشكل مشعر
بقوة تمييز وصحة فطرة
ولو لم يكن ألا تفاهمها إذا
تناغت بأصوات لها أعجمية
لكان لنا فيه دليل يدلنا
على أن ذا لا عن نفوس بليدة
فمن ظن شيئًا غير هذا فإنه
لتقصيره عن فكرة مستقيمة
وقد شهد الذكر الحكيم بأنها
مسبحة والذكر أعظم حجة
وهل يصدق التسبيح من غير عاقل
ولكن عيون الجهل غير بصيرة
تأمل صلاة الشمس عند وقوفها
لدى الظهر في وسط السماء بخشية
وإثباتها وقت الزوال بركعة
وإتمامها عند الغروب بسجدة
كذا جملة الأفلاك راكعة بما
جرت سجدة للَه في كل طرفة
وما الذي أعمى عيون قلوبهم
ونورك فيهم مستطير الأشعة
لقد عظمت تلك الرزية موقعًا
لدى كل ذي عقل سليم وجلت
أرى كل ذي سكر سيصحو من الهوى
سواي فصحوي فيك علة سكرتي
فما اتفقت لي مذ عرفتك خلوة
بنفسي إلا همت فيك بجلوة
ولا عرضت لي في دجى الفكر هجمة
فأغفيت إلا فزت فيك بيقظة
ولا استغرقتني في المحاسن بهتة
فثارت بحسن غير حسنك بهتتي
ولا سنحت في باطن القلب خشية
فكانت لشيء غير هجرك خشيتي
ولا خضعت نفسي لأمر ترومه
فكانت لشيء غير وصالك خضعتي
ولا استقبلتني من جنابك نفحة
أسرت حديثًا عنك إلا وسرت
وأصغي إلى تحصيله في مسامع ال
مشاعر من كل منبت شعرة
وأحسست في نفسي بلطف دبيب ما
سقطت من محيا الحب لما تمشت
وهل شارب كأسًا من الحب جاهل
بما أحدثت في عقله حين دبت
فقد حقق الدعوى القياس وأين من
كثافة جسم الخمر لطف المحبة
إذا غبت عني كنت عندك حاضرًا
ومن عجب أن غيبتي فيك حضرتي
فيا با طنًا ألقاه في كل ظاهر
ويا أولا ما زال آخر فكرتي
تشابه إعلاني وسري ومشهدي
وغيبي وستري في هواك وشهرتي
تجمع الأضداد في ولم يكن
بمستغرب لي في الهوى كل بدعة
فنوعي في شخصي لأني نتيجة
لشكل قياس عن ضروب عقيمة
ملأت جهاتي الست منك فأنت لي
محيط وأيضًا أنت مركز نقطتي
فصرت إذا وجهت وجهي مصليًا
فرايض أوقاتي فنفسي كعبتي
فصار صيامي لي ونسكي وطاعتي
ونحري وتعريفي وحجي وعمرتي
وحولي طوافي واجب وخلاله اس
تلامي لركني من مناسك حجتي
وذكري وتسبيحي وحمدي وقربتي
لنفسي وتقديسي وصفو سيرتي
ولو هم مني خاطر بالتفاتة
لم كان لي إلا ألي تلفتي
ولو لم أود الفرض مني ألي لم
يصح بوجه لي ولم تبر ذمتي
وكنت على أني أوحد ظاهرًا
ففي باطني قد دنت بالثنوية
كذا من يكن قد صح عقد وداده
ولم يتهم يومًا بسقم عقيدة
وينفي اتصال النفس بالعقل واقفًا
على حس ما في عالم الحس أبلت
فإن قهرت فيه قوى الجسم ألحقت
بعالمها مملوءة بالمسرة
وتبقى كما قد جاء تهوى وليتها
هوت ما هوت ثم ارعوت واستقرت
ولكنها تبقى بنيران حسرة ال
بعاد تقاسي ضيق أغلال كرية
مذبذبة لا عالم العقل أدركت
ولا عالم الأجسام فيه تبقت
فترجع إلى أحدى الحنين حنينها
إلى عالم العقل الذي عنه صدت
وهيهات أن يطوي لسير حنينها
إلي الذي قد حال من بعد شقة
وأنى لها والحس قد حال بينها
وبين حماه أن تفوز بنظرة
إذا ذكرته هز هامس طائف
من الشوق لو هز الجبال لهدت
وما ذاك بالمدني إليه ولا الذي
إذا لم يكن يدني فربح بوقفة
أسى كلما قيل انقضت منه لوعة
أعيدت بأخرى مثلها مستحثة
تزول الجبال الشم وهي مقيمة
على حالة منكوسة مستمرة
وذلك أمر نسأل اللَه عصمة
منجية منه ومن كل حيرة
ألم يك فيما نال آدم عبرة
ومتعظ للعاقل المتثبت
على قربه من ربه واصطفائه
ومنحته إياه أعظم منحة
وإبعاده من بعد ذاك وصده
وتجريعه إياه أعظم غصة
ولم يأت ذنبًا عامدًا غير أنه
بأول حكم اللَه طالب رخصة
فأخطأ في التأويل جهلًا فحطمه
إلى الأرض من أعلى الجنان المنيفة
ولم يخف ما لا قى إذا انحط هابطًا
إلى الأرض من هول الأمور العظيمة
وما زال يدعو اللَه سرًا وجهرةً
وحاول منه العفو عنه بتوبة
وكيف بمن يأتي ذنوبًا كثيرةً
ويقضي وما وافى بتوبة مخبت
وكم جاهل لم يزدجر الذي جرى
على آدم من فعله كل خزية
لقد شمل الخير الوجود بأسره
فما كان من نشر فذاك لندرة
ولم يكن المقصود بالذات إنما
أتى بطريق الضمن والتبعية
ألم أن الغيث خير وأنه
ليحصل منه وكف بعض الأكنة
وإن لهيب النار المثوب محرق
ويحصل منه نضج كل معيشة
فقد يتبع الخير الكثير الذي نرى
لنا فيهما شر يسير المضرة
ولو روعي الضر الذي فيهما لنا
ولم يخلقنا لاختل نظم الخليقة
وكان هلاك الحرث والنسل عاجلًا
وذاك بلا شك خراب البسيطة
ولم يك إلا عالم الأمر وحده
ولم يخف ما في ذاك من نقص خلقة
وفي الحشرات الساقطات منافع
يحيط بها أهل العقول السليمة
ولو لم تكن ما عاش من نوعنا امرؤ
لفضل بخارات الهيولي الردية
فمن ذلك الفضل الردي تكونت
وفي مدخل الأوساخ في الأرض حلت
وغودر ما نلقيه منا غذاؤنا
لصفو الهوى من شوب كل أذية
لتنتعش الأرواح منا بطيبة
ويصفو لنا ورد الحياة الهنية
وقد ركب الأجسام منا وكل ما
تركب منحل ولو بعد برهة
وألبس منا كل جزء بحيز
لأركاننا الذاتية العنصرية
وما جمعنا بعد افتراق بمعجز
وهل آخر يخلو عن الأولية
وإن معاد الشيء بعد انعدامه
لأسهل من إنشاء إنشاء بدأة
ومطلع شمس النفس من مشرق الخلا
سيطلعها من مغرب العدمية
سبحان من يحيى بقدرته الذي
يميت كما أحياه أول مرة
0 تعليقات