فهمت الكتاب أبر الكتب لـ المتنبي

فَهِمتُ الكِتابَ أَبَرَّ الكُتُب
فَسَمعًا لِأَمرِ أَميرِ العَرَب

وَطَوعًا لَهُ وَاِبتِهاجًا بِهِ
وَإِن قَصَّرَ الفِعلُ عَمّا وَجَب

وَما عاقَني غَيرُ خَوفِ الوُشاةِ
وَإِنَّ الوِشاياتِ طُرقُ الكَذِب

وَتَكثيرِ قَومٍ وَتَقليلِهِم
وَتَقريبِهِم بَينَنا وَالخَبَب

وَقَد كانَ يَنصُرُهُم سَمعُهُ
وَيَنصُرُني قَلبُهُ وَالحَسَب

وَما قُلتُ لِلبَدرِ أَنتَ اللُجَينُ
وَلا قُلتُ لِلشَمسِ أَنتِ الذَهَب

فَيَقلَقَ مِنهُ البَعيدُ الأَناةِ
وَيَغضَبَ مِنهُ البَطيءُ الغَضَب

وَما لاقَني بَلَدٌ بَعدَكُم
وَلا اِعتَضتُ مِن رَبِّ نُعمايَ رَب

وَمَن رَكِبَ الثَورَ بَعدَ الجَوادِ
أَنكَرَ أَظلافَهُ وَالغَبَب

وَما قِستُ كُلَّ مُلوكِ البِلادِ
فَدَع ذِكرَ بَعضٍ بِمَن في حَلَب

وَلَو كُنتُ سَمَّيتُهُم بِاِسمِهِ
لَكانَ الحَديدَ وَكانوا الخَشَب

أَفي الرَأيِ يُشبَهُ أَم في السَخاءِ
أَم في الشَجاعَةِ أَم في الأَدَب

مُبارَكُ الاِسمِ أَغَرُّ اللَقَب
كَريمُ الجِرِشّى شَريفُ النَسَب

أَخو الحَربِ يُخدِمُ مِمّا سَبى
قَناهُ وَيَخلَعُ مِمّا سَلَب

إِذا حازَ مالًا فَقَد حازَهُ
فَتىً لا يُسَرُّ بِما لا يَهَب

وَإِنّي لَأُتبِعُ تَذكارَهُ
صَلاةَ الإِلَهِ وَسَقيَ السُحُب

وَأُثني عَلَيهِ بِآلائِهِ
وَأَقرُبُ مِنهُ نَأى أَو قَرُب

وَإِن فارَقَتنِيَ أَمطارُهُ
فَأَكثَرُ غُدرانِها ما نَضَب

أَيا سَيفَ رَبِّكَ لا خَلقِهِ
وَيا ذا المَكارِمِ لاذا الشُطَب

وَأَبعَدَ ذي هِمَّةٍ هِمَّةً
وَأَعرَفَ ذي رُتبَةٍ بِالرُتَب

وَأَطعَنَ مَن مَسَّ خَطِّيَّةً
وَأَضرَبَ مَن بِحُسامٍ ضَرَب

بِذا اللَفظِ ناداكَ أَهلُ الثُغورِ
فَلَبَّيتَ وَالهامُ تَحتَ القُضُب

وَقَد يَئِسوا مِن لَذيذِ الحَياةِ
فَعَينٌ تَغورُ وَقَلبٌ يَجِب

وَغَرَّ الدُمُستُقَ قَولُ العُداةِ
أَنَّ عَلِيًّا ثَقيلًا وَصِب

وَقَد عَلِمَت خَيلَهُ أَنَّهُ
إِذا هَمَّ وَهوَ عَليلٌ رَكِب

أَتاهُم بِأَوسَعَ مِن أَرضِهِم
طِوالَ السَبيبِ قِصارَ العُسُب

تَغيبُ الشَواهِقُ في جَيشِهِ
وَتَبدو صِغارًا إِذا لَم تَغِب

وَلا تَعبُرُ الريحُ في جَوِّهِ
إِذا لَم تَخَطَّ القَنا أَو تَثِب

فَغَرَّقَ مُدنَهُمُ بِالجُيوشِ
وَأَخفَتَ أَصواتَهُم بِاللَجَب

فَأَخبِث بِهِ طالِبًا قَهرَهُم
وَأَخبِث بِهِ تارِكًا ما طَلَب

نَأَيتَ فَقاتَلَهُم بِاللِقاءِ
وَجِئتَ فَقاتَلَهُم بِالهَرَب

وَكانوا لَهُ الفَخرَ لَمّا أَتى
وَكُنتَ لَهُ العُذرَ لَمّا ذَهَب

سَبَقتَ إِلَيهِم مَناياهُمُ
وَمَنفَعَةُ الغَوثِ قَبلَ العَطَب

فَخَرّوا لِخالِقِهِم سُجَّدًا
وَلَو لَم تُغِث سَجَدوا لِلصُلُب

وَكَم ذَدتَ عَنهُم رَدىً بِالرَدى
وَكَشَّفتَ مِن كُرَبٍ بِالكُرَب

وَقَد زَعَموا أَنَّهُ إِن يَعُد
يَعُد مَعَهُ المَلِكُ المُعتَصِب

وَيَستَنصِرانِ الَّذي يَعبُدانِ
وَعِندَهُما أَنَّهُ قَد صُلِب

لِيَدفَعَ ما نالَهُ عَنهُما
فَيا لَلرِجالِ لِهَذا العَجَب

أَرى المُسلِمينَ مَعَ المُشرِكينَ
إِمّا لِعَجزٍ وَإِمّا رَهَب

وَأَنتَ مَعَ اللَهِ في جانِبٍ
قَليلُ الرُقادِ كَثيرُ التَعَب

كَأَنَّكَ وَحدَكَ وَحَّدتَهُ
وَدانَ البَرِيَّةُ بِاِبنِ وَأَب

فَلَيتَ سُيوفَكَ في حاسِدٍ
إِذا ما ظَهَرَت عَلَيهِم كَئِب

وَلَيتَ شَكاتَكَ في جِسمِهِ
وَلَيتَكَ تَجزي بِبُغضٍ وَحُب

فَلَو كُنتَ تَجزي بِهِ نِلتُ مِنكَ
أَضعَفَ حَظٍّ بِأَقوى سَبَب

إرسال تعليق

0 تعليقات