الدَهرُ يُفجِعُ بَعدَ العَينِ بِالأَثَرِ
فَما البُكاءُ عَلى الأَشباحِ وَالصُوَرِ
أَنهاكَ أَنهاكَ لا آلوكَ مَوعِظَةً
عَن نَومَةٍ بَينَ ناب اللَيثِ وَالظُفرِ
فَالدَهرُ حَربٌ وَإِن أَبدى مُسالَمَةً
وَالبيضُ وَالسودُ مِثلُ البيضِ وَالسُمرِ
وَلا هَوادَةَ بَينَ الرَأسِ تَأخُذُهُ
يَدُ الضِرابِ وَبَينِ الصارِمِ الذكرِ
فَلا تَغُرَّنكَ مِن دُنياكَ نَومَتُها
فَما صِناعَةُ عَينَيها سِوى السَهَرِ
ما لِلَّيالي أَقالَ اللَهُ عَثرَتَنا
مِنَ اللَيالي وَخانَتها يَدُ الغيرِ
في كُلِّ حينٍ لَها في كُلِّ جارِحَةٍ
مِنّا جِراحٌ وَإِن زاغَت عَنِ النَظَرِ
تَسُرُّ بِالشيءِ لَكِن كَي تغرّ بِهِ
كَالأَيمِ ثارَ إِلى الجاني مِنَ الزَهرِ
كَم دَولَة ولِيَت بِالنَصرِ خدمَتها
لَم تُبقِ مِنها وَسَل ذِكراكَ مِن خَبَرِ
هَوَت بِدارا وَفَلَّت غَربَ قاتِله
وَكانَ عَضبًا عَلى الأَملاكِ ذا أثرِ
وَاِستَرجَعَت مِن بَني ساسانَ ما وَهَبَت
وَلَم تَدَع لِبَني يونانَ مِن أَثَرِ
وَأَلحَقَت أُختَها طسمًا وَعاد عَلى
عادٍ وَجُرهُم مِنها ناقِض المِرَرِ
وَما أَقالَت ذَوي الهَيئاتِ مِن يَمَنٍ
وَلا أَجارَت ذَوي الغاياتِ مِن مُضَرِ
وَمَزَّقَت سَبَأً في كُلِّ قاصِيَةٍ
فَما اِلتَقى رائِحٌ مِنهُم بِمُبتَكرِ
وَأَنفَذَت في كُلَيبٍ حُكمَها وَرَمَت
مُهَلهلًا بَينَ سَمعِ الأَرضِ وَالبَصَرِ
وَلَم تَرُدَّ عَلى الضَليلِ صِحَّتَهُ
وَلا ثَنَت أَسَدًا عَن رَبِّها حُجرِ
وَدوّخَت آلَ ذُبيانٍ وَإِخوَتهُم
عَبسًا وَغَصَّت بَني بَدرٍ عَلى النَهرِ
وَألحقَت بِعَدِيٍّ بِالعِراقِ عَلى
يَدِ اِبنِهِ أَحمَرَ العَينَينِ وَالشعرِ
وَأَهلَكَت إِبرويزًا بِاِبنِهِ وَرَمَت
بِيَزدجردَ إِلى مَروٍ فَلَم يَحُرِ
وَبَلَّغت يَزدجردَ الصينَ وَاِختَزَلَت
عَنهُ سِوى الفرس جَمع التُركِ وَالخَزَرِ
وَلَم تَرُدَّ مَواضي رُستُمٍ وَقَنا
ذي حاجِبٍ عَنهُ سَعدا في اِبنَةِ الغيرِ
يَومَ القَليبِ بَنو بَدرٍ فَنوا وَسَعى
قَليبُ بَدرٍ بِمَن فيهِ إِلى سَقَرِ
وَمَزَّقَت جَعفَرًا بِالبيضِ وَاِختَلَسَت
مِن غيلِهِ حَمزَةَ الظلّامِ لِلجُزُرِ
وَأَشرَفَت بِخبَيتٍ فَوقَ فارِعَةٍ
وَأَلصَقَت طَلحَةَ الفَيّاض بِالعفرِ
وَخَضَّبَت شَيبَ عُثمانٍ دَمًا وَخَطَت
إِلى الزُبَيرِ وَلَم تَستَحي مِن عمرِ
وَلا رَعَت لِأَبي اليَقطان صُحبَتَهُ
وَلَم تُزَوّده إِلّا الضَيحَ في الغُمُرِ
وَأَجزَرَت سَيفَ أَشقاها أَبا حَسَنٍ
وَأَمكَنَت مِن حُسَينٍ راحَتي شَمِرِ
وَلَيتَها إِذ فَدَت عَمرًا بِخارِجَةٍ
فَدَت عَليًّا بِمَن شاءَت مِنَ البَشَرِ
وَفي اِبنِ هِند وَفي اِبنِ المُصطَفى حَسَن
أَتَت بِمُعضِلَةِ الأَلبابِ وَالفِكرِ
فَبَعضُنا قائِلٌ ما اِغتالَهُ أَحَد
وَبَعضُنا ساكِتٌ لَم يُؤتَ مِن حَصَرِ
وَأَردت اِبنَ زِيادٍ بِالحُسَينِ فَلَم
يَبُؤ بِشِسعٍ لَهُ قَد طاحَ أَو ظُفُرِ
وَعَمَّمَت بِالظُبى فَودَي أَبي أَنَسٍ
وَلَم تَرُدَّ الرَدى عَنهُ قَنا زُفَرِ
أَنزَلت مُصعَبًا مِن رَأسِ شاهِقَةٍ
كانَت بِها مُهجَةُ المُختارِ في وَزَرِ
وَلَم تُراقب مَكانَ ابن الزُبَيرِ وَلا
راعَت عِياذَتهُ بِالبَيتِ وَالحَجَرِ
وَأَعمَلَت في لَطيمِ الجِنِّ حيلَتَها
وَاِستَوسَقَت لِأَبي الذبّانِ ذي البَخَرِ
وَلَم تَدَع لِأَبي الذبّانِ قاضِبهُ
لَيسَ اللَطيمُ لَها عَمرو بِمُنتَصِرِ
وَأَحرَقتُ شِلوَ زَيدٍ بعدَما اِحتَرَقَت
عَلَيهِ وَجدًا قُلوبُ الآيِ وَالسُوَرِ
وَأَظفَرَت بِالوَليدِ بنِ اليَزيدِ وَلَم
تُبقِ الخِلافَةَ بَينَ الكَأسِ وَالوَتَرِ
حَبابَة حَبُّ رُمّانٍ أُتيحَ لَها
وَأَحمَرٌ قَطَّرَتهُ نَفحَةُ القطرِ
وَلَم تَعُد قُضُبُ السفاحِ نائِيَةً
عَن رَأسِ مَروانَ أَو أَشياعِهِ الفُجُرِ
وَأَسبَلَت دَمعَةَ الروحِ الأَمينِ عَلى
دَم بِفخٍّ لِآلِ المُصطَفى هَدرِ
وَأَشرَقَت جَعفَرًا وَالفَضلُ يَنظُرُهُ
وَالشَيخُ يَحيى بريق الصارِمِ الذَكَرِ
وَأَخفَرَت في الأمينِ العَهدِ وَاِنتَدَبَت
لِجَعفَرٍ بِاِبنِهِ وَالأَعبُدِ الغُدُرِ
وَما وَفَت بِعُهودِ المُستَعينِ وَلا
بِما تَأَكَّدَ لِلمُعتَزِّ مِن مِرَرِ
وَأَوثَقَت في عُراها كُلَّ مُعتَمدٍ
وَأَشرَقَت بِقَذاها كُلَّ مُقتَدِرِ
وَرَوَّعت كُلَّ مَأمونٍ وَمُؤتَمنٍ
وَأَسلَمَت كُلّ مَنصورٍ وَمُنتَصِرِ
وَأَعثَرَت آلَ عَبّادٍ لَعًا لَهُمُ
بِذَيلِ زَبّاءَ لَم تنفِر مِنَ الذُعرِ
بَني المُظَفَّرِ وَالأَيّامُ لا نَزَلَت
مَراحِل وَالوَرى مِنها عَلى سَفَرِ
سُحقًا لِيَومِكُم يَومًا وَلا حَمَلَت
بِمِثلِهِ لَيلَةٌ في غابِرِ العُمُرِ
مَن لِلأَسرَّةِ أَو مَن لِلأَعِنَّةِ أَو
مَن لِلأَسِنَّةِ يُهديها إِلى الثغرِ
مَن لِلظُبى وَعَوالي الخَطِّ قَد عُقِدَت
أَطرافُ أَلسنِها بِالعيِّ وَالحَصَرِ
وَطَوَّقَت بِالمَنايا السودِ بيضَهُمُ
فَاِعجَب لِذاكَ وَما مِنها سِوى الذِكرِ
مَن لِليَراعَةِ أَو مَن لِلبَراعَةِ أَو
مَن لِلسَماحَةِ أَو لِلنَفعِ وَالضَرَرِ
أَو دَفع كارِثَةٍ أَو رَدع آزِفَةٍ
أَو قَمع حادِثَةٍ تَعيا عَلى القُدَرِ
وَيبَ السَماحِ وَوَيبَ البَأسِ لَو سَلِما
وَحَسرَةُ الدينِ وَالدُنيا عَلى عُمَرِ
سَقَت ثَرى الفَضلِ وَالعَبّاسِ هامِيَةٌ
تُعزى إِلَيهِم سَماحًا لا إِلى المَطَرِ
ثَلاثَةٌ ما أَرى السعدانُ مِثلَهُمُ
وَأَخبَرَ وَلَو عُزّزوا في الحُوتِ بِالقَمَرِ
ثَلاثَةٌ ما اِرتَقى النِسرانِ حَيثُ رَقوا
وَكُلُّ ما طارَ مِن نَسر وَلَم يَطرِ
ثَلاثَة كَذَواتِ الدَهرِ مُنذُ نَأَوا
عَنّي مَضى الدَهرُ لَم يَربَع وَلَم يَحُرِ
وَمَرَّ مِن كُلِّ شَيءٍ فيهِ أَطيَبُهُ
حَتّى التَمَتُّعُ بِالآصالِ وَالبُكَرِ
أَينَ الجَلالُ الَّذي غَضّت مَهابَتهُ
قُلوبنا وَعُيونُ الأَنجُمِ الزُهُرِ
أَينَ الإِباءُ الَّذي أَرسَوا قَواعِدَهُ
عَلى دَعائِمَ مَن عِزٍّ وَمِن ظَفَرِ
أَينَ الوَفاءُ الَّذي أَصفَوا شَرائِعَهُ
فَلَم يَرِد أَحَدٌ مِنها عَلى كَدَرِ
كانوا رَواسِيَ أَرضِ اللَهِ مُنذُ مَضوا
عَنها اِستَطارَت بِمَن فيها وَلَم تَقرِ
كانوا مَصابيحَها فَمُذ خَبَوا عَثَرَت
هَذي الخَليقَةُ يا للَّهِ في سَدَرِ
كانوا شَجى الدَهرِ فَاِستَهوَتهُم خدَعٌ
مِنهُ بِأَحلامِ عادٍ في خُطى الحَضَرِ
وَيلُ اِمّهِ مِن طَلوبِ الثَأرِ مُدرِكِهِ
مِنهُم بِأُسدٍ سُراةٍ في الوَغى صبرِ
مَن لي وَلا مَن بِهِم إِن أَظلمَت نُوَبٌ
وَلَم يَكُن لَيلُها يُفضي إِلى سَحَرِ
مَن لي وَلا من بِهِم إِن عُطِّلَت سُنَنٌ
وَأُخفِيَت أَلسُنُ الآثارِ وَالسِيَرِ
مَن لي وَلا مَن بِهِم إِن أُطبِقَت مِحَنٌ
وَلَم يَكُن وِردُها يَدعو إِلى صَدَرِ
عَلى الفَضائِلِ إِلّا الصَبرَ بَعدَهُم
سَلامُ مُرتَقِبٍ لِلأَجرِ مُنتَظرِ
يَرجو عَسى وَلَهُ في أُختِها أَمَلٌ
وَالدَهرُ ذو عُقَبٍ شَتّى وَذو غِيَرِ
قَرَّطتُ آذانَ مَن فيها بِفاضِحَةٍ
عَلى الحِسانِ حَصى الياقوت وَالدُرَرِ
سَيّارَةٍ في أَقاصي الأَرضِ قاطِعَةٍ
شَقاشقًا هَدَرَت في البدوِ وَالحَضَرِ
مُطاعَة الأَمرِ في الأَلبابِ قاضِيَة
مِنَ المَسامِعِ ما لَم يُقضَ مِن وَطَرِ
ثُمَّ الصَلاة عَلى المُختارِ سَيِّدِنا
المُصطَفى المُجتَبى المَبعوثِ مِن مُضَرِ
وَالآلِ وَالصحبِ ثُمّ التابِعينَ لَهُ
ما هَبَّ ريحٌ وَهَلَّ السُحبُ بِالمَطَرِ
0 تعليقات