يا صارم اللحظ من أعراك من مهج (في مدح النبيَّ ﷺ) لـ محمود سامي البارودي

يَا صَارِمَ اللَّحْظِ مَنْ أَعْرَاكَ بِالْمُهَجِ
حَتَّى فَتَكْتَ بها ظُلْمًا بلا حَرَجِ

ما زالَ يَخْدَعُ نَفْسي وهْيَ لاهِيَةٌ
حَتَّى أَصابَ سَوادَ الْقَلْبِ بِالدَّعَجِ

طَرْفٌ، لَو أنَّ الظُّبَا كَانت كَلَحْظَتِهِ
يومَ الْكَرهَةِ، مَا أَبْقَيَتْ عَلَى وَدَجِ

أَوْحَى إِلى الْقَلْبِ، فانقَادَتْ أَزِمَّتُهُ
طَوعًا إِلَيهِ، وخَلانِي وَلَمْ يَعُجِ

فَكَيفَ لِي بِتَلَافِيهِ وَقَدْ عَلِقَتْ
بِهِ حَبَائِلُ ذَاكَ الشَّادِنِ الْغَنِجِ

كَادَتْ تُذِيبُ فُؤَادِي نَارُ لَوعَتِهِ
لَوْ لَمْ أَكُنْ مِنْ مَسِيلِ الدَّمْعِ فِي لُجَجِ

لَوْلا الْفَوَاتِنُ مِنْ غِزْلانِ «كاظِمَةٍ»
ما كانَ لِلْحُبِّ سُلْطانٌ عَلَى الْمُهَجِ

فَهَلْ إِلَى صِلَةٍ مِنْ غَادِرٍ عِدَةٌ
تَشْفِي تَبارِيحَ قَلْبٍ بِالْفِرَاقِ شَجِ

أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ فِي ظُلَمٍ
يَخْشَى الضَّلالَةَ فيها كُلُّ مُدَّلِجِ

كَأَنَّ أَنْجُمَهُ وَالْجَوُّ مُعْتَكِرٌ
غِيدٌ بِأَخْبِيَةٍ يَنْظُرْنَ مِنْ فُرَجِ

لَيْلٌ غَياهِبُهُ حَيْرَى، وأَنْجُمُهُ
حَسْرَى، وساعاتُهُ في الطُّولِ كَالْحِججِ

كَأَنَّما الصُّبْحُ خَافَ اللَّيْلَ حِينَ رَأَى
ظِلْماءَهُ ذاتَ أَسْدادٍ، فَلَمْ يَلِجِ

فَلَيتَ مَنْ لَامَنِي لانَتْ شَكِيمَتُهُ
فَكَفَّ عَنِّي فُضُولَ الْمَنْطِقِ السَّمِجِ

يَظُنُّ بِي سِفَهًا أَنِّي عَلَى سَرَفٍ
وَلا يَكادُ يَرَى ما فيه مِنْ عِوَجِ

فاعْدِلْ عَنِ اللَّوْمِ إِنْ كُنْتَ امْرأً فَطِنًا
فَاللَّوْمُ فِي الْحُبِّ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَوَجِ

هَيهاتَ يَسْلُكُ لَوْمُ الْعَاذِلِينَ إِلَى
قَلْبٍ بِحُبِّ رسُولِ الله مُمْتَزِجِ

هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَوْلا هِدَايَتُهُ
لَكانَ أَعْلَمُ مَنْ فِي الأَرْضِ كَالهَمَجِ

أَنَا الَّذِي بِتُّ مِنْ وَجْدِي بِرَوْضَتِهِ
أَحِنُّ شَوْقًا كَطَيرِ الْبَانةِ الْهَزِجِ

هاجَتْ بِذِكْرَاهُ نَفْسِي، فَاكْتَسَتْ وَلَهًا
وَأَيُّ صَبٍّ بِذِكْرِ الشَّوْقِ لَمْ يَهِجِ

فَمَا احْتِيَالِي؟ وَنَفْسِي غَيْرُ صَابِرَةٍ
عَلَى الْبِعَادِ، وَهَمِّي غَيْرُ مُنْفَرِجِ

لا أَسْتَطِيعُ بَرَاحًا إِنْ هَمَمْتُ وَلا
أَقْوَى عَلَى دَفْع ما بِالنَّفْسِ مِنْ حَوَجِ

لَوْ كانَ لِلْمَرْءِ حُكْمٌ فِي تَنَقُّلِهِ
ما كانَ إِلا إِلَى مَغْناهُ مُنْعَرَجِي

فَهَلْ إِلَى صِلَةِ الآمَالِ مِنْ سَبَبٍ
أَمْ هَلْ إِلَى ضِيقَةِ الأَحْزانِ مِنْ فَرَجِ؟

يا رَبِّ بِالْمُصْطَفَى هَبْ لِي وَإِنْ عَظُمَتْ
جَرَائِمِي رَحْمَةً تُغْنِي عَنِ الْحُجَجِ

ولا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي فَإِنَّ، يَدِي
مَغْلُولَةٌ، وَصَباحِي غَيرُ مُنْبَلِجِ

ما لِي سِوَاكَ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ إِذَا
ضَاقَ الزِّحَامُ غَداةَ الْمَوْقِفِ الْحَرِجِ

لَمْ يَبْقَ لِي أَمَلٌ إِلَّا إِلَيْكَ فَلا
تَقْطَعْ رَجَائِي، فَقَدْ أَشْفَقْتُ مِنْ حَرَجِي