الحذاء لـ نجيب سرور

أنا ابن الشقاء
ربيب (الزريبة والمصطبة)
وفي قريتي كلهم أشقياء
وفى قريتى (عمدة) كالإله
يحيط بأعناقنا كالقدر
بأرزاقنا
بما تحتنا من حقول حبالى
يلدن الحياة
وذاك المساء
أتانا الخفير و نادى أبي
بأمر الإله! .. ولبى أبي
وأبهجنى أن يقال الإله
تنازل حتى ليدعو أبى!
تبعت خطاه بخطو الأوز
فخورا أتيه من الكبرياء
أليس كليم الإله أبي
كموسى .. وإن لم يجئه الخفير
وإن لم يكن مثله بالنبي
وما الفرق؟ .. لا فرق عند الصبي!
وبينا أسير وألقى الصغار أقول " اسمعو ا ..
أبى يا عيال دعاه الإله" !
وتنطق أعينهم بالحسد
وقصر هنالك فوق العيون ذهبنا اليه
- يقولون .. فى مأتم شيدوه
ومن دم آبائنا والجدود وأشلائهم
فموت يطوف بكل الرءوس
وذعر يخيم فوق المقل
وخيل تدوس على الزاحفين
وتزرع أرجلها فى الجثت
وجداتنا فى ليالى الشتاء
تحدثننا عن سنين عجاف
عن الآكلين لحوم الكلاب
ولحم الحمير .. ولحم القطط
عن الوائدين هناك العيال
من اليأس .. والكفر والمسغبة
" ويوسف أين؟ " .. ومات الرجاء
وضل الدعاء طريق السماء
وقام هنالك قصر الإله
يكاد ينام على قريتي
- ويكتم كالطود أنفاسها
ذهبنا إليه
فلما وصلنا .. أردت الدخول
فمد الخفير يدا من حديد
وألصقني عند باب الرواق
وقفت أزف أبى بالنظر
فألقى السلام
ولم يأخذ الجالسون السلام!!
رأيت .. أأنسى؟
رأيت الإله يقوم فيخلع ذاك الحذاء
وينهال كالسيل فوق أبي! !
أهذا .. أبى؟
وكم كنت أختال بين الصغار
بأن أبى فارع " كالملك"!
أيغدو ليعني بهذا القصر؟ !
وكم كنت أخشاه فى حبيه
وأخشى إذا قام أن أقعدا
وأخشى إذا نام أن أهمسا
وأمى تصب على قدميه بإبريقها
وتمسح رجليه عند المساء
وتلثم كفيه من حبها
وتنفض نعليه فى صمتها
وتخشى عليه نسيم الربيع!
أهذا .. أبى؟
ونحن العيال .. لنا عادة ..
نقول إذا أعجزتنا الأمور " أبى يستطيع ! "
فيصعد للنخلة العالية
ويخدش بالظفر وجه السما
ويغلب بالكف عزم الأسد
ويصنع ما شاء من معجزات!
أهذا .. أبى
يسام كأن لم يكن بالرجل
وعدت أسير على أضلعي
على أدمعي .. وأبث الجدر
" لماذا .. لماذا ؟ "
أهلت السؤال على أمية
وأمطرت في حجرها دمعية
ولكنها أجهشت باكية
" لماذا أبى ؟ "
و كان أبى صامتا فى ذهول
بعلق عينيه بالزاوية
وجدى الضرير
قعيد الحصير
تحسسنى و تولى الجواب :
" بنى .. كذا يفعل الأغنياء بكل القرى " !
كرهت الإله ..
وأصبح كل إله لدي بغيض الصعر
تعلمت من يومها ثورتي
ورحت أسير مع القافلة
على دربها المدلهم الطويل
لنلقى الصباح
لنلقى الصباح !