ليس الوقوف بكفء شوقك فانزل لـ أبي تمام

لَيسَ الوُقوفُ بِكُفءِ شَوقِكَ فَانزِلِ
تَبلُل غَليلًا بِالدُموعِ فَتُبلِلِ

فَلَعَلَّ عَبرَةَ ساعَةٍ أَذرَيتَها
تَشفيكَ مِن إِربابِ وَجدٍ مُحوِلِ

وَلَقَد سَلَوتَ لَوَ اَنَّ دارًا لَم تَلُح
وَحَلُمتَ لَو أَنَّ الهَوى لَم يَجهَلِ

وَلَطالَما أَمسى فُؤادُكَ مَنزِلًا
وَمَحَلَّةً لِظِباءِ ذاكَ المَنزِلِ

إِذ فيهِ مِثلُ المُطفِلِ الظَمأى الحَشا
رَعَتِ الخَريفَ وَما القَتولُ بِمُطفِلِ

إِنّي امرُؤٌ أَسِمُ الصَبابَةَ وَسمَها
فَتَغَزُّلي أَبَدًا بِغَيرِ المُغزِلِ

عالي الهَوى مِمّا تُعَذِّبُ مُهجَتي
أَروِيَّةُ الشَعفِ الَّتي لَم تُسهِلِ

شاكي الجَوانِحِ مِن جَوانِحِ ظالِمٍ
شاكي السِلاحِ عَلى المُحِبِّ الأَعزَلِ

تُردى وَلَم تُبلِغكَ آخِرَ سُخطِكَ
وَالسُمُّ يَقتُلُ وَهُوَ غَيرُ مُثَمَّلِ

قَد أَثقَبَ الحَسَنُ بنُ وَهبٍ في النَدى
نارًا جَلَت إِنسانَ عَينِ المُجتَلي

مَأدومَةً لِلمُجتَدي مَوسومَةً
لِلمُهتَدي مَظلومَةً لِلمُصطَلي

ما أَنتَ حينَ تَعُدُّ نارًا مِثلَها
إِلّا كَتالي سورَةٍ لَم تُنزَلِ

قَطَعَت إِلَيَّ الزابِيَينِ هِباتُهُ
إِلثاثَ مَأمورِ السَحابِ المُسبِلِ

مِن مِنَّةٍ مَشهورَةٍ وَصَنيعَةٍ
بِكرٍ وَإِحسانٍ أَغَرَّ مُحَجَّلِ

وَلَقَد رَأَيتُ وَما رَأَيتُ كَوارِدٍ
وَالخِمسُ بَينَ لَهاتِهِ وَالمَنهَلِ

وَلَقَد سَمِعتَ فَهَل سَمِعتَ بِمُوطِنٍ
أَرضَ العِراقِ يُضيفُ مَن بِالمَوصِلِ

لِلَّهِ أَيّامٌ خَطَبنا لينَها
في ظِلِّهِ بِالخَندَريسِ السَلسَلِ

بِمُدامَةٍ نَغَمُ السَماعِ خَفيرُها
لا خَيرَ في المَعلولِ غَيرَ مُعَلَّلِ

يَعشى عَلَيها وَهوَ يَجلو مُقلَتَي
بازٍ وَيَغفَلُ وَهوَ غَيرُ مُغَفَّلِ

لا طائِشٌ تَهفو خَلائِقُهُ وَلا
خَشِنُ الوَقارِ كَأَنَّهُ في مَحفِلِ

فَكِهٌ يُجِمُّ الجِدَّ أَحيانًا وَقَد
يُنضى وَيُهزَلُ عَيشُ مَن لَم يَهزِلِ

قَيدُ الكَلامِ لِسانُهُ حِصنٌ إِذا
أَضحى اللِسانُ اللَغبُ مِثلَ المَقتَلِ

أُذُنٌ صَفوحٌ لَيسَ يَفتَحُ سَمعَها
لِدَنِيَّةٍ وَأَنامِلٌ لَم تُقفَلِ

لا ذو الحُقودِ اللُقَّحِ اللاتي تَرى
كَشحَ الصَديقِ وَلا العِداتِ الحُيَّلِ

نَفسي فِداءُ أَبي عَلِيٍّ إِنَّهُ
صُبحُ المُؤَمِّلِ كَوكَبُ المُتَأَمِّلِ

قَد كُنتَ لِلمُتَمَوِّهِ المُكدي أَخًا
مِثلًا فَأَوجَفَ بي مَعَ المُتَمَوِّلِ

أَكرِم بِنِعمَتِهِ عَلَيَّ وَنِعمَتي
مِنها عَلى عافٍ جَدايَ وَمُرمِلِ

تَاللَهِ ما أَحلى مَراشِفَها عَلى
حَنَكٍ وَأَجمَلَها عَلى مُتَجَمِّلِ

لَم يَقرِني بِشرَ البَخيلِ يُغيرُ في
أَمَلي وَلَم يَشمَخ بِأَنفِ المُفضِلِ

وَغَدا فَلَم يُطلِل عَلَيَّ بِطَرفِهِ
شَوَسًا وَذو المَعروفِ يَنظُرُ مِن عَلِ

مُتَقَيِّلًا وَهبًا وَتِلكَ خَلائِقٌ
فَضفاضَةٌ شَطَطٌ عَلى المُتَقَيِّلِ

وَابنُ الكَريمِ مُطالَبٌ بِقَديمِهِ
غَلِقٌ وَصافي العَيشِ لِابنِ الزُمَّلِ

وَالحَمدُ شَهدٌ لا تَرى مُشتارَهُ
يَجنيهِ إِلّا مِن نَقيعِ الحَنظَلِ

غُلٌّ لِحامِلِهِ وَيَحسَبُهُ الَّذي
لَم يوهِ عاتِقَهُ خَفيفَ المَحمَلِ

هَل تَشكُرَّن لَكَ المُروءَةُ أَن جَلَت
كَفّاكَ داثِرَها جِلاءَ المُنصُلِ

لَولاكَ كانَت ثُلمَةً لَم تَنسَدِد
أَبَدًا وَكانَت عِدَّةً لَم تَكمُلِ

فَمَتى أُرَوّي مِن لِقائِكَ هِمَّتي
وَيُفيقُ قَولي مِن سِواكَ وَمِقوَلي

وَتَهُبُّ لي بِعَجاجِ مَوكِبِكَ الصَبا
إِنَّ السَماحَةَ تَحتَ ذاكَ القَسطَلِ

بِالراقِصاتِ كَأَنَّها رَسَلُ القَطا
وَالمُقرَباتِ بِهِنَّ مِثلُ الأَفكَلِ

مِن نَجلِ كُلِّ تَليدَةٍ أَعراقُهُ
طِرفٍ مُعَمٍّ في السَوابِقِ مُخوَلِ

كَالأَجدَلِ الغِطريفِ لاحَ لِعَينِهِ
خُزَزٌ وَأَنتَ عَلَيهِ مِثلُ الأَجدَلِ

يَردي بِأَروَعَ يَغتَدي وَيَروحُ مِن
زُوّارِهِ وَضُيوفِهِ في جَحفَلِ

حَتّى تَقَرَّ عُيونُنا وَقُلوبُنا
بِالماجِدِ المُستَقبَلِ المُستَقبَلِ

بِمُحَمَّدٍ وَمُكَفَّرٍ وَمُحَسَّدٍ
وَمُسَوَّدٍ وَمُمَدَّحٍ وَمُعَذَّلِ

بِحَديقَةِ الأَدَبِ الَّتي قَد حُصِّنَت
بِاللُبِّ إِنَّ العَقلَ أَحرَزُ مَعقِلِ

بِسِراجِ كُلِّ مُلِمَّةٍ في لَونِها
كَلَفٌ وَمَعلَمِ كُلِّ أَرضٍ مَجهَلِ

فَانهَض وَإِن خِلتَ الشِتاءَ مُصَمِّمًا
حَزنَ الخَليفَةِ جامِحًا في المِسحَلِ

فَلَدَيكَ آلاتٌ جَنوبٌ كُلُّها
فَاحطِم بِأَصلَبِهِنَّ صُلبَ الشَمأَلِ

عامٌ وَشَهرٌ مُقبِلانِ كِلاهُما
ما استَجمَعا إِلّا لِحَظٍّ مُقبِلِ

وَالوَقتُ بَسّامٌ يُخَبِّرُ أَنَّهُ
مِن خَيرِ عُضوٍ في الزَمانِ وَمَفصِلِ

إرسال تعليق

0 تعليقات