أقمطة ونياشين وولاعات للرجال السعداء لـ رياض الصالح الحسين

-لا ماء في البحر
لا حياة في القبلة
لا عدالة بين نابي أفعى
ولا شمس ساطعة في قلبي
قطيع من الموتى في فمي
والغسيل على الشرفات-

***
موظفون لزرق الكآبة في الشرايين
ملائكة بقوانين حمورابية لإغتيال الموتى والأحياء والقبور
محاسبون لإحصاء الأظافر والأيدي
والرؤوس المتعبة
ثيران بقوائم لطيفة لشرب البيرة وإصدار المراسيم
حشرات ملوّنة على الشرفة
وفراشات كالحة على الرمال
عشاق فاشلون
لوحات تشكيلية فاشلة
ربطة عنق ناجحة
دوائر، وامرأة محطمة
صورة بإطار. صورة بلا إطار
صورة بيضاء. صورة سوداء. صورة سكوب بالألوان
ولكن ليس هذا هو العالم كله:
فالرمال ما زالت ناعمة ودافئة
والبحر ما زال يرسل للصيادين الخرافات والأسماك
ماء النهر صافٍ
والأطفال ما زالوا يحبون الفستق
ثمة رجل يبحث في جيوبه عن امرأة
ثمة امرأة تبحث عن حذائها في الطريق
والصغار يستطيعون أن يبتكروا ألف لعبة
بإصبع واحدة من الطباشير
إذن، لا تحلموا بالشمس كثيرًا
فالشمس ستشرق في الساعة السادسة
والثلاثين دقيقة حتمًا
إذن، لا تسألوا العصافير عن لون السماء
في البلاد البعيدة
لا تسألوا الزمن عن الذكريات
لا تسألوا الأشجار عن نكهة الفؤوس في الخاصرة
لا تسألوا الصعاليك عن رطوبة الأرصفة
لا تسألوا التوابيت عن رائحة الموتى
لا تسألوا القتلة عن رائحة الدم
ولا تسألوا سمر عن قلبي
فالأسئلة البسيطة قذيفة
الأسئلة المعقدة انتحار
ونحن سكان الأرض الأسوياء
من الأفضل أن نوزّع الأقمطة والنياشين على مغتصبي العالم:

***
"من الأفضل أن نوزّع التعب الإسبارطي والنقود البيزنطية على الناس بالتساوي"
هذا ما قالته المرأة الواسعة التي مسحت أحذية القادة
بلسانها الملتهب
وكانت تقول لي:
وأصابعها تتحرك كقطيع من الوعول في شَعري:
ألديك غرفة بطول قامتي؟
وهل نافذتها تطلّ على الشارع أم على المقبرة؟
المرأة التي عبرت المجنزرات بين نهديها كسرب من النوارس البيضاء
كانت تقول لي أيضًا وهي تنتحب بانفطار:
لماذا لم أعد أراك؟
لماذا لم أعد أراك في المطر؟
هل أخذوا منك معطفك الداكن ليمسحوا به أحذية الملوك؟
المرأة التي تركت على سترتي صوتها المضيء
تهتم بالحب والأغاني المكتوبة
وتقول لي:
أتريد أن تقبلني؟
أتريد أن أقبلك؟
إذن، اغمض عينيك ودع الشرفة مفتوحة
المرأة التي لم تقبّل أحدًا منذ معركة واترلو
معركة العلمين
مذبحة دير ياسين
ومذابح العالم الأول والثاني والثالث والرابع
كانت تقول لي وهي تضع يدها الطرية
على صدري:
قلبك لم يعد طريًّا
ونبضك يدق ببرود
فهل جعلوا من قلبك منفضة لرماد سجائرهم؟
ومن شرايينك أحزمة لبواريد جنودهم؟
المرأة التي كانت تبكي في الأزمنة البعيدة
كانت تقول لي:
ألديك أصابع؟ أين هي أصابعك؟
هل سرقوها منك دون أن تدري؟
هل أخذوها عنوة بمساعدة السكاكين؟
هل سقطت منك وأنت تركض في الليلة
الفائتة وراء ظلّك؟
وكانت تقول لي –المرأة اليابسة كقشور الكستناء-
الممتلئة كالكستناء
الناعمة كالكستناء
الطيبة كالكستناء:
أمس لم يسأل عنك أحد
لا ماء في البحر
ولا سمكة على الشاطئ
أمس لم يسأل عني أحد
زارني الموت ولم يكن على الرفّ قهوة
ولأن الموت يحب القهوة مثل جميع الناس
فلقد قلب شفتيه وصفق الباب وراءه
ومضى في قطار العتمة.
وكانت تقول لي:
أنت لا تبكي
أنت لا تبتسم
فمن احتسى دموعك بدلاً من الفودكا بالبرتقال؟
ومن أكل ابتسامتك بدلاً من فطائر الكبد المشوي؟
فمك مغلق، ولسانك مصفّد
تُرى، هل تختبئ في فمك أغنية أم نقالة موتى؟
حديثًا عن عطلة نهاية الأسبوع؟
أم طفلة بعينين مفقوءتين؟
هل نسفوا لسانك أيضًا؟
أم ثبتوه بسقف حلقك بالدبابيس الفضية؟
وكانت المرأة التي تعدّ على أصابعها قتلى
حروب الطبقات تقول لي:
هل تعرف نيرون؟
هل قرأت عن نيرون؟
نيرون لم يكن مذهلاً لكنه أحرق روما
أنا هي عاصمتك المحترقة
وأعرف أنك لست نيرون
ولكن قل لي:
هل تحبني؟ هل تحبني؟ هل تحبني؟

***
هذا ما قالته المرأة الواسعة قبل أن تحمل
مظلتها الضيقة
وتمضي في المطر الناري
وأنا –المهذب، المهذب، المهذب-
إلتففت بمعطفي ومضيت
وأنا أذكر أنها قالت:
من الأفضل أن نبتلع المجنزرات
بدلاً من حبوب الكورسيدين!.

إرسال تعليق

0 تعليقات