أين من عيني هاتيك المجالي؟ (الجندول) لـ علي محمود طه

أين من عينيَّ هاتيك المجالي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ

أين عشاقُك سُمَّارُ الليالي؟
أين من واديك، يا مهدَ الجمالِ؟

موكبُ الغيد وعيدُ الكرنفالِ
وسُرَى الجُندولِ في عُرض القنالِ

بين كأسٍ يتشهَّى الكرمُ خمرَهْ
وحبيبِ يتمَنَّى الكأْسُ ثغرَهْ
التقتْ عيني بهِ أوَّلَ مرَّهْ
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِ نظرَهْ

أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ

***
مرَّ بي مُستضحكًا في قربِ سَاقي
يَمزُجُ الراحَ بأقداحٍ رِقاقِ

قد قصدناهُ على غيرِ اتفاقِ
فنظرنا، وابتسمنا للتَّلاقي

وهوَ يَستهدِي على المَفْرِقِ زَهرَهْ
ويُسوِّي بيدِ الفتنةِ شعرَهْ
حينَ مسَّتْ شَفَتِي أوَّلُ قطرَهْ
خِلْتُهُ ذوَّبَ في كاسيَ عِطْرَهْ

أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالِي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ

***
ذَهَبِيُّ الشَّعر، شَرقيُّ السِّماتِ
مَرِحُ الأعطاف، حلوُ اللَّفتاتِ

كُلَّما قلتُ له: خذْ. قال: هاتِ
يا حبيبَ الرُّوحِ، يا أُنْسَ الحياةِ

أَنا مَنْ ضيَّعَ في الأوهامِ عُمْرَهْ
نَسيَ التاريخَ أو أُنْسيَ ذكْرَهْ
غيرَ يومٍ لم يَعُدْ يَذكُرُ غيرَهْ
يومَ أنْ قابَلتُه أوَّلَ مَرَّهْ

أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ

***
قالَ: من أينَ؟ وأصغى، ورَنَا
قلتُ: من مصرَ، غريبٌ ها هُنَا

قالَ: إن كنتَ غريبًا فأنَا
لم تكنْ فينيسيا لي مَوْطنَا

أينَ منِّي الآن أحلامُ البُحَيْرَهْ
وسماءٌ كَسَتِ الشطآنَ نَضْرَهْ
منزلي منها على قمةِ صَخرَهْ
ذات عينٍ من مَعينِ الماء ثَرَّهْ

أينَ من فارسوفيا تلكَ المجالي؟
يا عروسَ البحر، يا حُلْمَ الخيالِ

***
قلتُ، والنشوةُ تسري في لساني:
هاجتِ الذكرى، فأينَ الهرَمانِ؟

أين وادي السِّحرِ صدَّاحُ المغاني؟
أينَ ماءُ النيل؟ أين الضِّفَّتَانِ؟

آه لو كنتَ معي نختالُ عَبْرَهْ
بشراعٍ تَسْبَحُ الأنجمُ إثرَهْ
حيثُ يَروي الموجُ في أرخم نَبْرَهْ
حُلْمُ ليل من ليالي كليوبترَهْ

أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالي؟
يا عروسَ البحر، يا حُلْمَ الخيالِ

***
أَيُّها الملَّاحُ، قِفْ بينَ الجسورِ
فتنةِ الدنيا، وأَحلامِ الدهورِ

صفَّق الموجُ لولدانٍ وحورِ
يُغرقون الليلَ في يَنبوع نورِ

ما ترى الأغْيَدَ وضَّاء الأسِرَّهْ؟
دقَّ بالساق وقد أسْلَمَ صدْرَهْ
لمُحبٍّ لفَّ بالساعد خَصْرَهْ؟
ليتَ هذا الليلَ لا يُطْلِعُ فجرَهْ!

أينَ من عينيَّ هاتيكَ المجالي؟
يا عروسَ البحرِ، يا حُلْمَ الخيالِ

***
رَقَصَ الجُندولُ كالنجم الوضيِّ
فاشْدُ، يا ملَّاحُ، بالصوت الشجيِّ

وتَرَنَّمْ بالنشيدِ الوثنيِّ
هذه الليلةُ حُلْمُ العَبقريِّ

شاعتِ الفرحةُ فيها والمَسَرَّهْ
وجَلا الحُبُّ على العُشَّاقِ سرَّهْ
يَمْنةً مِلْ بي، على الماء، ويَسْرَهْ
إنَّ للجندول تحت الليل سحرَهْ

***
أين، يا فينيسيا، تلك المجالي؟
أَينَ عُشاقُك سُمَّار الليالي؟

أَينَ من عينيَّ أطيافُ الجمالِ؟
مَوْكبُ الغيد وعيدُ الكرنفالِ؟

يا عروسَ البحر، يا حُلْمَ الخَيالِ!!


لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب وغناها عام 1941، وتعتبر هذه الأغنية من أكثر الأغاني نجاحا في مسيرة عبد الوهاب الفنية.

إرسال تعليق

0 تعليقات