معذبتي بالصد ما لي وما لها لـ ابن حجر العسقلاني

معذّبتي بالصَدِّ ما لي وَما لَها
وَما مالَ قَلبي عَن هَواها وَما لها

نأَت فَدَنا الهمّ القَويّ مسلّمًا
وأنكرت النَفسُ الضَعيفَةُ حالَها

وَقالوا صَغَت نَحوَ الوشاة ملالةً
ومن لي بأن تَدنو وَتبقي ملالها

وَقيلَ لَها مضناك مغناك قَد سلا
فَيا صاحبيَّ اِستعذرا واِحلفا لها

وَكَيفَ سَلاها القَلبُ وَهوَ محلّها
سَلا هَل سلا إِجمالها أَو جَمالها

منعَّمةٌ تَشقي بقرب صدودها
وَلَو أَنعَمت نُعمى لأدنَت وصالَها

أَخو وجنتيها الوردُ وَالمسكُ خالُها
وَلَكِنّها فاقَت أَخاها وَخالَها

أَقول وَقَد أَرخَت ذَوائِبَ شَعرِها
لَقَد أَسبغَ اللَهُ العَظيم ظِلالها

وَماسَت فَحاكى الغصن لين قَوامها
فَهَزَّت عَلى وفق المزاج اِعتِدالها

رَعى اللَهُ رَكبًا يَمَّموا أَرضَها الَّتي
أَجادَت يَد الغَيث الهتون صِقالَها

ولمّا أَلَمّوا في السُرى بيلملمٍ
لأجسادهم إِحرامُها قَد حَلا لَها

وَلَبّوا فبلُّوا بِالنَسيم غَليلَهم
وَحيَّوا فأَحيوا لِلنُفوس كَما لَها

يَمينًا بِهبّات النَسيم بسُحرَةٍ
لَقَد فازَ مَن مدَّت إِليهِ شمالها

شَدا باِسمِها الحادي فحرّك ساكِنًا
وَذكَّرَ مَوصولُ الحَنين اِتّصالها

ولمّا رَأوا أَعلامها هاج شوقهم
وَحَثّوا مَطاياهم وَحَلّوا عقالها

وَحينَ تَجلّى وجهها خَضَعوا لهُ
فَلِلَّهِ رَبّي ما أَعزّ جَلالها

وَطافوا بِها مُستَبشِرينَ بأَنعم
مِنَ اللَه لَم يُحصوا بعدٍّ خصالها

رقوا لِلصفا بِالحَمد شُكرًا لِسَعيهم
وَبالمروة النَفسُ اِشتفت ما بدا لها

وَقَد أسعدوا يَومَ الصُعود وَأَسعَفوا
وَنالَت نُفوسُ الطالِبينَ منالها

وَفي عَرفاتٍ عُرِّفوا بِسعادة
عليهم بجمع الشمل شاموا اِشتِمالها

فَكَم تائِبٍ مُستَغفِرٍ مُتَيَقِّنٍ
بِمَغفِرَة تَهمي بفيض سجالها

وَذي عِلَّةٍ قَد طالَ عمر مِطالها
فقصّر عَفو اللَه عَنهُ مَطالها

وَإِذ نَفَروا فازوا فَهُم نَفَرُ التّقى
سَقَتهُم سحاب العَفو صَفوًا زلالها

بِمُزدَلِفاتٍ أَقبل الوفدُ مقبلًا
وَلاقَت مِن البشرى النُفوسُ اِقتِبالها

أَفاضوا دُموعًا إِذ أَفاضوا مَخافَةً
مِنَ البينِ أَحيت لِلنُفوس اِعتِلالها

وَعادوا لِتَوديع الحمى سُقيَ الحمى
وأَلسنةُ الوفد اِستَطابَت سؤالها

وَزَمزمَ حاديهم بزمزمَ كَم صَدٍ
تَروّى وَذي صَدٍّ جَبتهُ وصالها

وَبَلّ غَليلًا في طَواف وداعهِ
فأحسَن لكن كَم دُموعٍ أَسالها

وَقَد رَفعوا أَيدي الدعا باِنكِسارها
وَجَزمِ الرَجا حَتّى أَتى الفَتحُ حالها

وَما اِستكثَروا مِن أَدمع مستهلّةٍ
نَهار اِستَقلّوا لِلرَحيل اِنهمالها

وَقلَّ لقوم فارقوا الكعبة البكا
وَقَد فَقَدوا إِفضالها واِكتمالها

وَقَد آلَ ذاكَ الصَحبُ بَعدَ وداعها
إِلى أَسف إِذ فارَقَ الصَحبُ آلها

أَجادوا وَجَدّوا في السرى قاصدي الحمى
وَقَد نفَّروا ضَبَّ الفَلا وَغزالَها

وَشارفَ مِن أَرض الحَصيب دَليلُهم
عَرائسَ رَوضٍ حينَ أَرخَت دلالها

وَأَعلَنَ حاديهم بشكر لربّهم
وَأَدعيَةٍ لا يَكتُمون اِحتِفالها

إِلهيَ مِثل الشمس لاحَت ذنوبنا
فيسّر عَلَينا بالمتاب زَوالها

أَحلنا عَلى العَفوِ العَميم فَإِنَّنا
سَئِمنا عَلى التَسويف دَهرًا مَحالها

وخلّد بَقاء الأَشرف الملك الَّذي
بِدولته الدُنيا تديم اِحتِيالها

مَليكٌ لَه في الخافقينِ مَكارِمٌ
تَمُدُّ عَلى راجي نَداهُ نَوالَها

وَراحتُهُ في مَدِّها البأسُ وَالغنى
فَلَم تبصر العَينان قَطُّ مثالها

وأَسيافه بالوهم في أَنفس العدى
تَقُدُّ وَتَفري ما أَحدَّ نصالها

سَقى اللَه أيّام اِبن عَبّاس إِنَّها
بَواسِمُ بِالأَفراح يأوي الغنى لها

وَيا ربّ جَدِّد جَدَّها وسعودها
وَصِل مَع أَسباب المَعالي حبالها

وَصلّ عَلى خَير الأَنام محمّد
صَلاة مَدى الدُنيا تديم اِتِّصالَها

إرسال تعليق

0 تعليقات