أقبلْ نُعَيْمُ هَداك ربُّكَ ساريا
وكفى بربّك ذي الجلالةِ هاديا
جِئتَ النبيَّ فقلتَ إنّي مُسلمٌ
من أشْجَعٍ لم يَدْرِ قومي ما بيا
مُرْني بما أحببتَ في القومِ الأُلَى
كَرِهوا الرشادَ أكن لأمرِكَ واعيا
قال ارمهم بالرأيِ يَصدعُ بأسَهم
عنّا ويتركُه ضعيفًا واهيا
عُدْ يا ابنَ مسعودٍ إليهم راشدًا
وَاصْنَعْ صَنيعَكَ آمرًا أو ناهيا
قال استعنتُ بمن هَداكَ بِنُورِه
ومَحا بِملّتِكَ الظلامَ الداجيا
ومضى فهزَّ بَني قَريظَة هِزّةً
يَغتالُ رَاجفُها الأشمَّ الراسيا
قال اتبعوا يا قومُ رأيَ نَدِيمكم
إنّي مَحضتُكمُ الودادَ الصافيا
أفما رأيتم ما أصابَ مُحمّدٌ
مِن قومِكم لمّا أطاعوا الغاويا
جَهلوا فعاجلهم ببأسٍ عاصفٍ
لم يُبقِ منهم في الجزيرة ثاويا
فَدَعُوا قُريشًا لا تظنّوا أمرَها
من أمركم أمَمًا ولا مُتدانِيا
إنّ البلادَ بلادُكم فإذا انثنت
ومَضى البلاءُ فلن تُصيبوا واقيا
إن تأخذَوا سَبعين من أبطالهم
رَهنًا يَكُنْ حَزمًا ورأيًا شافيا
وأتى قريشًا في مَخِيلَةِ ناصحٍ
يُبدِي الهَوى ويُذيعُ سِرًّا خافيا
يا قومُ إنّ بني قُريظةَ أحدثوا
أمرًا طَفقتُ له أعضُّ بنانيا
قال المنبِّئُ إنّهم نَدموا على
ما كان مِنهم إذ أجابوا الداعيا
بعثوا فقالوا يا محمدُ ما ترى
إن نحن أحْسَنّا أتُصبحُ راضيا
نُعطِي سُيوفَك من قريشٍ ثُلَّةً
ونَسوقُ من غَطفانَ جَمعًا رابيا
من هؤلاءِ وهؤلاءِ نَعدُّهم
سَبعينَ تقتلُهم جزَاءً وافيا
وتردُّ إخوتَنا إلى أوطانهم
بعد الجلاءِ وكان حُكمُكَ ماضيا
كانوا على حَدَثِ الزّمانِ جَناحَنا
فتركتَ ناهِضَهُ كسيرًا داميا
ومَشَى إلى غَطفان يُنبئُهم بما
سَمعتْ قريشٌ أو يَزيدُ مُحابيا
أهلي مَنحتُ نَصيحَتي وعَشِيرَتِي
نَبَّهْتُ أخشى أن يَجلَّ مُصابيا
هَفَتِ المخاوفُ بالنّفوسِ فزُلزِلتْ
ومَضتْ بها هُوجُ الظّنونِ سَوافيا
لم يُبقِ منها الأشجعيُّ بمكرِهِ
ودهَائِهِ غيرَ الهواجِسِ باقيا
جَلَس ابنُ حربٍ في سَرَاةِ رجالهِ
هَمًّا يُطالِعُهم وخطبًا جاثيا
والرّهطُ من غَطفان يَنظُر واجمًا
حِينًا ويهدرُ عاتِبًا أو لاحِيا
لبثوا يُديرُ الرأيَ كلُّ مُجرِّبٍ
منهم فيا لكِ حَيْرَةً هِيَ ماهيا
بعثوا فقالوا لليهودِ تأهَّبوا
للحربِ نَطوِي شرَّها المتماديا
لم يَبْقَ من خُفٍّ ولا من حافرٍ
إلا سيُصبحُ هالكًا أو فانيا
طال المقامُ ولا مُقامَ لمعشرٍ
نزلوا من الأرضِ البعيدَ النائيا
أمستْ منازلُهم بأرضِ عَدُوِّهمِ
والموتُ يَخْطِرُ رَائحًا أو غاديا
قالوا أيومَ السَّبْتِ نبرزُ للوغَى
ولَقَدْ عَلِمْنا ما أصابَ الباغيا
لسنا نُقاتِلُ أو تُؤدُّوا رَهْنَكم
إنّا نرى الدّاءَ المُكتَّمَ باديا
سَبْعِينَ إن خُنتم قَضينا أمرَنا
فيهم ولن يَجدوا هُنالِكَ فاديا
غَضِبَ ابنُ حربٍ ثم قال لقومه
صَدَقَ ابنُ مسعودٍ وخابَ رجائيا
غَدَرَ اليهودُ وتلك من عاداتِهم
يا قومِ ما للغادِرينَ وماليا
ما كنتُ أَحْسَبُ والخطوبُ كثيرةٌ
أنَّ الأحبَّةَ يُصبحونَ أعاديا
هذا بِناءُ القومِ مَالَ عَمودُه
فَوهَى وأصبحَ رُكنهُ مُتداعيا
هَدَمَ الإمامُ العبقريُّ أساسَهُ
وَسما بدينِ العبقريَّةِ بانيا
شَيخُ السِّياسةِ ليس يَبعثُ غارةً
أو يبعثَ الرأيَ المظفَّرَ غازيا
الله عَلَّمَهُ فليس كَفَنِّهِ
فَنٌّ وإن بَهَر العقولَ معانيا
اللَّهُ أرسلهُ عليهم عاصفًا
مُتمرِّدًا يَدَعُ الجِبالَ نوازيا
شَرِسَ القُوى عَجْلانَ أهوجَ يرتمِي
يُزجي الغوائلَ مُستبِدًّا عاتيا
ما لامرئٍ عَهدٌ يُظنُّ بمثلِهِ
من بعدِ عادٍ رائيًا أو راويا
قلب المنازِلَ والبيوتَ فلم يَدَعْ
إلا مَصائِبَ مُثَّلًا ودواهيا
ألقَى على القومِ العذابَ فما يُرَى
مُتزحزِحًا عنهم ولا مُتجافيا
الأرضُ واسعةُ الجوانبِ حولهم
ما مسَّ منها عامرًا أو خاليا
نزلتْ جُنودُ اللَّهِ رُعبًا بالغًا
ملأَ القُلوبَ فما بَرِحْنَ هوافيا
وأتى حُذيفة في مَدارِع غَيْهَبٍ
ألْقَى على الدنيا حِجابًا ضافيا
يَتَلمَّسُ الأخبارَ ماذا عِندهم
أأفاقَ غاويهم فَيُصبِحُ صاحيا
جاء الرجالَ يَدُسُّ فيهم نَفْسَهُ
والحتفُ يَرْقُبُه مخوفًا عاديا
بِيَدَي معاويةٍ وعمروٍ أمسكت
كلتا يَدَيْهٍ مُواربًا ومُداجِيا
لولا الرسولُ ودَعوةٌ منه مضت
لَقِيَ الأسِنَّةَ والسُّيوفَ مواضيا
بَلَغَ البلاءُ بهم مَداهُ فلم يَجِدْ
منهم سِوَى شاكٍ يُطارِحُ شاكيا
يدعو أبو سُفيانَ يا قومِ انظروا
إنّا وجدنا الأمرَ صَعْبًا قاسيا
فِيمَ المقامُ كفى التعلُّلُ بالمنى
هُبّوا فإنّي قد مَللتُ مُقاميا
حَسْبي على ألمِ الرحيلِ وحَسْبُكم
أن يرجعَ الجيشُ العرمرمُ ناجيا
ثم اعتلى ظَهْرَ البعيرِ وقال سِرْ
لا كانَ ذا الوادي المُروِّعُ واديا
فاهتاجَ عكرمةٌ وقال أهكذا
يَهِنُ الزعيمُ ألا تُقيم لياليا
إنزلْ وَسِرْ في القومِ سِيرةَ ماجدٍ
لا تُشْمِتَنَّ بك العدوَّ ولا بيا
نزل الزعيمُ يَجرُّ حبلَ بَعيرهِ
ويقولُ سِيروا مُسرِعينَ ورائيا
ساروا وقال ابنُ الوليدِ أمالنا
يا عمروُ أن نَلقى اللُّيوثَ ضواريا
إن كنتَ صاحبَ نجدةٍ فأقِمْ معي
وَلْيَبْقَ مَن رُزقوا النُّفوسَ أوابيا
أبيا الرحيلَ حَمِيَّةٌ فَتخلَّفا
وأباهُ قومٌ يتّقونَ الزاريا
ثم استبدَّ بهم قضاءٌ غالبٌ
فمضوا وأدبرَ جمعُهُم مُتراميا
ومضى حُذيفةُ بالبَشارةِ يبتغِي
عِندَ النبيِّ بها المحلَّ العاليا
وافاه في حَرَمِ الصَّلاةِ وقُدْسِها
والنُّورُ نورُ اللَّهِ يَسْطَعُ زاهيا
حتى قضاها سَمحةً مقبولةً
مُتهجّدًا يتلو الكتابَ مُناجيا
رَكَعاتُ ميمونِ النَّقيبَةِ مُشرِقٍ
تَرِدُ السَّماءَ أهِلّةً ودراريا
سَمِعَ الحديثَ فراحَ يَحمدُ رَبَّه
فَرحًا ويشكُر فَضلَه المتواليا
إن يجمعِ القومُ الجنودَ فإنّما
جمعوا مَزاعِمَ تُفتَرى ودعاويا
جمعوا لأغوالٍ يَطولُ غليلُها
ممّا تَحاماها المنونُ تحاميا
من كُلِّ مُقتحِمٍ سَواء عنده
وَرَد المنيَّة شاربًا أو ساقيا
سِرْ في عبيدِكَ يا ابنَ حربٍ إنّما
لاقيتَ منهم سادةً ومَواليا
لن تبلغَ النَّصرَ المرومَ ولن ترى
إلا ظُبىً مهزومةً وعواليا
ذهبت لِطيَّتها الكتائبُ خُيَّبًا
وذهبتَ تبعثُ بالكتابِ مُناويا
بئسَ الكتابُ عَوَيْتَ فيه ولن ترى
ضِرغامَة الوادي يخاف العاويا
ورفعتَ للأصنامِ فيه لواءها
وهيَ التي تركتْ لِواءكَ هاويا
أتعِيبُها أن لم تكن عربيَّةً
أفما رأيتَ جَمالَها المتناهيا
أنكرتَ حُسْنَ الفارسيَّةِ غَيْرَةً
وحَسَدْتَها فجعلت نفسَكَ واشيا
زِدْهَا من الوصفِ البديعِ وغنِّنا
للَّهِ دَرُّكَ يا ابنَ حربٍ شاديا
ماذا أصابك من كتابِ مُحمدٍ
لا تُخْفِ ما بك إن أردت مُواسيا
أفما صعقتَ له وبِتَّ بليلةٍ
تَسْرِي أراقمُها فَتُعِيي الراقيا
انهض أبا سُفيانَ نهضةَ مُهتَدٍ
أفما تزالُ القاعِدَ المُتوانيا
0 تعليقات