أحزان الفقراء لـ فاروق شوشة

وانحنت صفصافة كانت على النهر تصلى
وانثنت صبارة تغمس فى الشط المدمى راحتيها،
وهى تبكى ..
تلثم الأرض التى ضمتك عودًا فارعًا كالسنديان
عندما عدت إليها ذات يوم
قطعة من أرض مصر
قطعة من قلب مصر
نبتة تزهر خصبًا وحياه
وسرى فى القرية الخرساء إعصار الهزيمةْ
فارتمى كوخ بوجه الريح وانهارت سقيفةْ
ومشى الحزن، ثقيل الخطو، عبئًا فوق أنفاس اليتامى، والثكالى
طافيًا فوق الدموع
يعصر القلب ويجتاح الضلوع
وترامى النبأ الفاجع فى صرخة بومةْ
أعولت جارتنا
غاب فتاها فوق شدوان شهيدا
وبكت أرملة ملتاعة ..
قد ثوى فى أرض سيناء أبو أطفالها
راقدا من غير ثار
طفلة توجس: ما عاد أبى
أماه قد حل الظلام
وعيون لا تنام
طار عنها النوم والأمن وأحلام السلام
فقدت حارسها الفارع والليل قتام
ما الذى فجر هذا الحزن فى قلب الرجال؟
حزن آلاف الليالى والتواريخ العقيمةْ
أجدبت من لقمة الخبز ومن طعم الأمان
عريت من كسوة العارى ومن دفء الحنان
ودعاوى الأنبياء ..
ما الذى شد إلى الهول عيونا ما تزال
ترتمى نحو السماء
باحتجاج الفقراء!

***
صوتك الحانى الجسور
قادم يجتاز أسوار التواريخ البعيدةْ
حامل من عطر "طيبةْ"
قصة المجد ورؤياه العجيبةْ
ساكب فى وضح الشمس وفى وكر النسور
لحن دنيانا الجديده
فإذا الأرض نداءات وقمح وبراعم
وعناقيد كروم .. وغضب
وإذا الأرض عبير ومداخن
ومفاتيح وأنوال تدور
وإذا فى قريتى ألف هتاف يتصاعد
أرضنا الحرة ما عادت تهادن!
الدروب اتسعت
ثم تلاقت
والعيون انفتحت
ثم تلاقت
لم يعد يوقف هذا المد شئ
إنه طوفان تاريخ ملئ بالضحايا
ونداءات السبايا
واحتجاج الفقراء
وإذا مصر على الضفة تختار وتبنى
بيتها المفعم إيمانا وخضره
لم تعد تحمل جرةْ
أصبحت تحمل كراسا وإزميلا وفجرا
أصبحت تضغط بالإصبع زر الكهرباء
لترى الوادى حقولا ورجالا ومصانع
والفضاء الرحب عمرانا وناسا وشوارع
وتماثيل، وأحلاما، وشعرا
وإذا مصر لكل الناس فيها، ولنا
للحفاة البؤساء
والعراة الأشقياء
لم تعد سجنا .. ولكن وطنا
مزقت فى يومك الفاجع ثوبا لم تكن تملك غيره
مصر لما خرجت تبكى أباها
راعها أنك لم تنطق كما عودتها
لم يجلجل صوتك الداوى مليا فى سماها
لم يدغدغ سمعها المشدوده فى هول الزحام
كان موسيقى لياليها وألحان هواها
وانتفاضات كراها
وهتافات سراها
مالها تطرق فى يومك إطراقة مذهول ذبيح
أفردوه فى العراء
واليتامى الفقراء
حول نهر الدمع طوفان صلاة ودعاء
وأناشيد وداع وقسم
كنت فيهم .. واحدا منهم لهم
حبة القمح وجلباب الشتاء
ويد الرحمة فى لفح البلاء
والأب الحانى إذا عز الدواء
كنت فيهم واحدا منهم لهم
صوتهم صوت المآسى والشقاء
والغد الآمل فى عين الرجاء
كنت فيهم أنت .. فى تاريخهم ..
لغة الأرض ..
وموال الفداء

إرسال تعليق

0 تعليقات