أستغفر الله لا دين ولا حسب لـ ابن حجر العسقلاني

أَستَغفِر اللَه لا دينٌ وَلا حسب
لِخائِنٍ غدرَه الإِخوانُ ما حَسِبوا

خانَ الأَمانَةَ واِستَنَّ الخِيانة واِس
تَثنى الدِيانة جانٍ ثمرهُ العطبُ

أصيب في عَقلِهِ بالعَين إِذ لمعَت
فَقال قَد ذهب المَحصول وَالذَهبُ

وَعاجَ يَطلُبُ عَودَ الودِّ مُعتَذِرًا
بِزَعمِهِ في بُيوت ركنُها خربُ

جاءَت تَبختَرُ في ثَوبين حشوُهما
مُنافِقٌ بِخداع القَول مُحتَجِبُ

لا مَرحَبًا بِكِ يا غَرارَةً خَدعَت
بِالنُسك قَلبًا سَليمًا غَرَّهُ الأَدبِ

وَباعَتِ الدين بِالدُنيا فَما اِكتَسبَت
رِبحًا سِوى الخزيِ بئسَ الربحُ يكتسبُ

وَما اِكتفت بِقَبيح الذنب تصنعُهُ
حَتّى أَصرَّت عَلَيه حينَ تَرتَكِبُ

وَإِنَّ أَقبحَ من ذنب ومن خَطأ
إِصرارُ فاعله من بعد ما يَثِبُ

تَقول ما ذقت من ريق سوى ضرَبٍ
فَكَيفَ أَوجب ضَربي ذَلِكَ الضربُ

لَو ذُقتُ خمرًا لَقُلتُ السكرُ موجبه
حَدٌّ بِلا مسكر هَذا هوَ العجبُ

وَصرتُ في دَيلَمٍ ملقىً لأجل فَتى
ما كانَ لِلتُركِ يَومًا قَطُّ يَنتَسِبُ

مَهلًا دَع الإِفكَ فَضَّ اللَهُ فاك لَقَد
بالَغتَ في الفتك حَتّى فاتَكَ الأَرَبُ

إِنَّ الخِيانةَ في الأَموال حرمتُها
أَشَدُّ من شُربِ ما لِلعَقلِ يختلبُ

فهبكَ لَم تشرب الخَمرَ السُلافَ أَما
شَرِبتَ إِثمًا جَناهُ اللَهوُ وَالطَرَبُ

وَإِنَّ من يكفر النعمى يعزّره
قاضٍ لنيل ثَواب اللَه يَحتَسِبُ

فَإِنَّ حَبسَ الَّذي يَلوي عقوبَتُهُ
لا سيَّما خادِعٌ من شأنه الهربُ

وَإِنَّ متلفَ مالِ الغَير يتلفه
رَبُّ العِباد الَّذي يُخشى وَيُرتهَبُ

لَقَد تَعدَّيتَ حدّ المُتلفين لَهُ
فَقَلبُهُ لِدَوام الصَدِّ مُطَّلِبُ

أَلَيسَ يَكفيكَ مِنّي التَركُ قل لي هَل
هَذا صَنيعُ اِمرئٍ لِلتُّركِ يَنتسبُ

وَقلتَ بانَ لهم غَدري وَما عرفوا
عُذري وَلَو عرفوا عذري لما عتبوا

يا ليت شعريَ ما عُذرُ اِمرئٍ جحَدَ الن
نُعمى وَقابلَها مِن ضدِّ ما يَجبُ

أَيَزعم القدر المَكتوب أَوقعه
فالضَرب وَالحبس أَيضًا فيهِ مُكتَتبُ

وَاللَه لا عُذرَ إِلّا الغَدرُ صَحَّفَهُ
قَلبٌ عَن الحقّ للأَطماع مُنقَلِبُ

وَقلتَ إِنَّ الَّذي أَهواهُ لا شرسٌ
وَلا حَقودٌ ولا فَظٌّ وَلا صخِبُ

فَهَبهُ كان كَما بالغتَ فيهِ أَما
تَرضى بعفوٍ وَإِن لَم يسكُن الغضبُ

وَهبهُ كان فَلم حلَّلتَ ما اِجترحَت
يَداك مِن ماله تَسطو وَتنتهبُ

لم حُلتَ بَينَ الَّذي يَهواه مُعتَديًا
وَبينَ مَحبوبه هَذا هوَ العجبُ

زعمتَني أَريَحيًّا لَيسَ فيَّ مِرىً
لأَنَّني لصميم العُرب أَنتَسبُ

لَو كُنتُ من مازِن لَم تَستبح ذهبي
يا اِبنَ اللَقيطة لَكِن قَومُنا ذَهَبوا

لَو أَنَّ مالي ركازٌ لَم يحلّ لِذي ال
حاجات منه سِوى الخمسُ الَّذي يَجبُ

جعلتَهُ مالَ حربيٍّ ظفِرتَ بِه
قَهرًا فَصارَ حَلالًا عندك السلَبُ

وَاللَه ما هوَ إِلّا مالُ ذي رهَب
مِن رَبِّهِ وَلَه في جودِهِ رغَبُ

عاملتَهُ بِبَسيط الغدر منسرِحًا
فَحزنُهُ وافِر وَالصَبرُ مُقتضَبُ

فَسَوفَ تعلمُ حَقًّا أَيَّ مُنقَلبٍ
يَومَ القِيامة يا ذا الظلمِ تنقلبُ

وقلتَ قَد صرتُ مَتروكًا بِلا نَشَبٍ
لأَنَّني لَيسَ لي إِلّاكُمُ نشبُ

وَصارَ مِن بَعدِ حُبّي في الحَشا لهب
فَلَيتَ شِعري مَتى تَدنو وَتَقتَرِبُ

من المسعِّرُ نارَ الغدر غيرُك يا
هَذا فَدَع قَلبكَ الغدّار يلتهبُ

وَلَيسَ يَنفَعُ تَقريبُ الجُسوم إِذا
كانَ الوِدادُ بستر الغيظ يَنحَجِبُ

إِذا الأَذى خالَطَ الودَّ القَديم فَلا
تَطمَع بِجمعها فَالوُدُّ ينقلبُ

فَكَيفَ تَطلبُ مِنّي بَعدَها نشبًا
هَيهاتَ ما بَينَنا في خِلَّةٍ نسبُ

بَيني وَبَينَ وِدادي فيكَ فاصِلَةٌ
فَما له وتدٌ يُبنى وَلا سَبَبُ

وقلتَ قَد غَرَّني من صُبحِ غُرَّتِهِ
وَقَد عدمت الهُدى مذ عاد يحتجبُ

أَنتَ الغرورُ الَّذي بالدّين غَرَّ فَتىً
لَولاهُ ما كنت في دُنياه تَنتشِبُ

نَعَم وَإِنَّ اِمرَءًا يَجزي عَلى حسَنٍ
سُوءًا فَلا عَجَبٌ أَن ظَلَّ يَكتَئِبُ

وَحينَ يُلدَغُ مِن جُحر فَتىً فَطِنٌ
يَومًا فَلَيسَ إِلَيهِ قَطُّ يَقتَرِبُ

وَقُلتَ جِئتُ إِلى أَنوار غُرَّتِهِ
أَبغي الهدى فتبدّى الغيُّ وَالغلَبُ

كذبتَ لا غيَّ عِندي بَل حَوى رشدا
مُتابِعي وتجلّت دونه الحجُبُ

أَقول هَذا اِنتِصارًا لا مفاخرَةً
وَاللَه حسبيَ لا مالٌ وَلا حسبُ

وَقلتَ لاموكَ في دَعوى محبّة من
عراك مِن كلّ معنىً حازه النصبُ

مَحَلَّ لَومِك لِم لَم تنه نفسَك عَن
خِيانَةٍ لِلَّذي تَرجو وَتَرتَقِبُ

تَعصي وَتُظهِر حبًّا بالمحال أَلَم
تَستَحي يا شَيخُ ماذا البَهتُ وَالكذبُ

إِنَّ الوَفاءَ لِمَن شرط المحبِّ فمن
يَخُن يَهُن وَتَبِن في حبّه الرِيَبُ

وَالحُبُّ مِن شَرطِهِ طوعُ المُحبِّ لمن
يَهوى وَلَو لامه النصّاح أَو عتبوا

وقلتَ أَوَّلُهُ مطلٌ وَأَوسطه
عَدلٌ وَآخره وَصلٌ وَمقترَبُ

هَذا يَكون لتَجريبٍ فَمَن عَرَفوا
منه الصَفا وَالوَفا أَدنَوه واِقتربوا

ومن بِغشٍّ يَعِش يَقصوه مُكتَئِبًا
فَشأنُهُ أَنَّهُ يَبكي وَينتَحِبُ

ثُمَّ اِنتهيتَ إِلى المَدح الَّذي شهِدَت
أَغزالُهُ أَنَّهُ لِلذَمّ مُنقِلبُ

فَقُلتُ ما فيهِ مِن وَصلٍ فَمُنقَطِعٌ
وكلّ ما فيهِ مِن وُدٍّ فَمُضطَرِبُ

فَلا أَعُوجُ عَلى ما فيهِ مِن عِوَجٍ
بِالرَدِّ فالدُرُّ حَقًّا فيهِ مخشَلبُ

لَكِن تأمّلتُ ما يَحوي اِقتباسُك مِن
عِلمِ الحَديثِ الَّذي تَبدو بِهِ النُخَبُ

فَلَم أَجِد لك فيهِ مِن موافَقَةٍ
فَقُلتُ وافقَ رأيي واِنتَهى الطَلَبُ

إرسال تعليق

0 تعليقات