إِن كُنتَ تُنكِرُ حُبًّا زادَني كَلَفا
حَسبي الَّذي قَد جَرى مِن مَدمَعي وَكَفى
وَإِن شَكَكتَ فَسائِل عاذِلي شجني
هَل أَشكو الأَسى وَالبينَ وَالأَسَفا
أَحبابنا وَيَدُ الأَسقامِ قَد عبثَت
بِالجِسمِ هَل لي مِنكُم بِالوِصالِ شِفا
كَدَّرتُ عَيشًا تَقضّى في بِعادِكُمُ
وَراقَ مِنّي نَسيبٌ فيكُمُ وصَفا
سِرتُم وَخَلَّفتُمُ في الحَيّ مَيتَ هَوىً
لَولا رَجاءُ تَلافيكم لَقَد تَلِفا
وَكُنتُ أَكتُم حُبّي في الهَوى زَمَنًا
حَتّى تَكَلَّمَ دَمعُ العَينِ فَاِنكَشَفا
سَأَلتُ قَلبي عَن صَبري فَأَخبَرَني
بِأَنَّهُ حينَ سِرتُم عَنّيَ اِنصَرَفا
وَقُلتُ لِلطَّرفِ أَينَ النَومُ بَعدهُمُ
فَقالَ نَومي وَبَحرُ الدَمعِ قَد نَزَفا
وَقُلتُ لِلجِسمِ أَينَ القَلبُ قالَ لَقَد
خَلّى الحَوادِثَ عِندي وَاِبتَغى التَلَفا
سَرى هَواكُم فَسارَ القَلبُ يَتبَعُهُ
حَتّى تَعَرَّفَ آثارًا لَهُ وَقَفا
فَيا خَليليَّ هَذا الربعُ لاحَ لَنا
يَدعو الوُقوفَ عَلَيهِ وَالبُكا فقِفا
ربعٌ كَربعِ اِصطِباري بَعدَ أَن رَحَلوا
تَجاوزَ اللَهُ عَنهُ قَد خَلا وَعَفا
وَأَهيفٍ خَطَرَت كَالغُصنِ قامَتُهُ
فَكُلُّ قَلبٍ إِلَيها مِن هَواهُ هَفا
كالسَهمِ مُقلَتُهُ وَالقَوسِ حاجِبُهُ
وَمُهجَتي لَهما قَد أَصبَحَت هَدَفا
ذو وَجنَةٍ كالشَقيقِ الغَضِّ في تَرَفٍ
يَظَلُّ مِنها جَبينُ الشَمسِ منكسِفا
وَعارِضٍ إِن بَدا مِن تَحتِها فَلَقَد
أَهدى الرَبيعُ إِلَيها رَوضَةً أُنُفا
يا أَيُّها البَدرُ إِنّي بَعدَ بُعدِكَ لا
أَنفكُّ في جامِعِ الأَحزانِ مُعتَكِفا
أَرسَلتَ لَحظًا ضَعيفًا فَهوَ في تلفي
يَقوى وَقَلبي قَويٌّ فَهوَ قَد ضَعُفا
وَفتيَةٍ لحمى المَحبوبِ قَد رَحَلوا
وَخَلَّفَتني ذُنوبي بَعدَهُم خَلَفا
يَطوونَ شُقَّةَ بيدٍ كُلَّما نُشِرَت
غَدوا وَكُلُّ اِمرئٍ بِالقَبرِ مُلتَحِفا
حَتّى رأوا حَضرَةَ الهادي الَّذي شَرُفت
قُصّادُهُ وَعَلَت في قَصدِهِ شَرَفا
مُحَمَّدٍ صفوةِ اللَهِ الَّذي اِنكسَفَت
إِذ جاءَ بِالحَقِّ شَمسُ الكُفرِ واِنكشَفا
المُصطَفى المرتَقي الأَفلاكِ معجزةً
وَكانَ في الحَربِ بالأملاكِ مرتَدَفا
اللَيثُ وَالغَيثُ في يَومي نَدىً وَردىً
وَالصادِقُ الفعل في يَومي وَغى وَوفا
الواهِبُ الهازِمُ الآلافَ مِن كَرَمٍ
وَسَطوَةٍ لِلعِدى وَالصحبِ قَد عُرفا
فالغَيثُ مِن جودِهِ في الجَدبِ مغتَرِفًا
كاللَيثِ مِن بأَسِهِ في الحَربِ معترفا
مَن قامَ في كَفِّ كَفّ الكُفرِ حينَ سَطَت
حَقًّا وَفي صَرفِ صرف الدَهرِ حينَ هَفا
كانَ الأَنامُ جَميعًا قَبلَ مَبعَثِهِ
عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَعادَ شِفا
كَم بَينَ إِيوان كِسرى مِن مناسَبَةٍ
وَبَينَ بَدرِ السَما وَالكُفرِ قَد خُسِفا
هُما اِنشِقاقانِ هَذا يَوم مَولِدِهِ
وَذا بمبعثهِ الزاكي هُدىً سَلَفا
لَهُ اللواءانِ ذا في الحَربِ مُنتَشِرٌ
وَظِلُّ ذَلِكَ في يَومِ النُشورِ ضَفا
كَمالُهُ في النَدى الحوضانِ كوثرُهُ
وَكَفُّهُ فازَ صَبٌّ مِنهُما اِغتَرَفا
سَرى إِلى المَسجِدِ الأَقصى مِنَ الحَرم ال
مكّيِّ وَالطرفُ للإِسراعِ ما طُرِفا
ثُمَّ اِرتَقى الأُفقَ بِالجِسمِ الكَريمِ عُلىً
وَالروحُ خادِمُهُ وَالقَلبُ ما ضَعفا
لقاب قَوسَينِ أَو أَدنى عَلا وَدَنا
وَقَلبُ حاسِدِهِ المضنى غَدا هَدَفا
رُدَّت أَعاديهِ في بَدرٍ منكّسةً
بخجلَةٍ أَورثَتها النقصَ وَالكَلَفا
وَيَومَ خَيبرَ آياتٌ مُبيَّنَةٌ
بِالبابِ مِنهُ عَليُّ قَد عَلا شَرَفا
وَفي حنينٍ قَميصُ الشِركَ لَيسَ لَهُ
لَمّا تَمَزَّقَ رافٍ مِن عداهُ رَفا
وَكَم خَوارِقَ حَتّى في قُلوبِهمُ
مِن سمرِهِ وَسُيوفٍ برقُها خَطَفا
لَم يَقتَطِف زَهرَةَ الدُنيا وَزينَتَها
بَل مالَ عَنها وَلاحَت رَوضَةً أُنُفا
هوَ الكَريمُ الَّذي ما رَدَّ سائِلَهُ
ما شَكَّ شَخصانِ في هَذا وَلا اِختَلَفا
بالعَينِ قَد جادَ إفضالًا وَأَورَدَها
وَرَدَّها بَعدَما أَرخَت لَها سُجُفا
وجوهُ أَصحابِهِ كَالدُّرِّ مُشرِقَةٌ
إِذا رَأَيتَ اِمرءًا عَن هديهم صَدَفا
نالوا السَعادَةَ في دُنيا وَآخِرَةٍ
وَالسَبقَ وَالفَضلَ وَالتَقديمَ وَالشَرَفا
وَبِالرضى خُصَّ مِنهُم عَشرَةٌ زهُرٌ
يا وَيحَ مَن في موالاةٍ لَهُم وَقَفا
سَعدٌ سَعيدٌ زبيرٌ طَلحَةٌ وَأَبو
عُبَيدَةٍ وابنُ عَوفٍ قَبلَهُ الخُلَفا
وَالسابِقونَ الأُلى قَد هاجَروا مَعَهُ
وَما بِفَضلٍ لأَنصارِ النَبيِّ خَفا
تَبوّؤا الدارَ والإِيمانَ قَبلُ وَقَد
آووا وَفَوا نصروا فازوا شَرَفا
المؤثِرونَ وَإِن لاحَت خصاصَتُهُم
عَلى نُفوسِهِم العافينَ وَالضُعَفا
الضارِبونَ وجوهًا أَقبَلَت غَضَبًا
وَالتارِكونَ ظُهورًا أدبرَت أَنَفا
لا يَستَوي مُنفِقٌ مِن قَبلِ فَتحِهِمُ
بِمُنفِقٍ بَعدُ بالإِنفاقِ قَد خَلَفا
وَالكلّ قَد وَعدَ اللَهُ المُهَيمِنُ بِال
حُسنى وَأَولاهُمُ من بِرِّهِ تُحَفا
مِن كُلِّ أَروَعَ حامي الدِينِ ناصرِهِ
وكُلِّ أَورعَ يُدعى سَيِّد الظُرَفا
لا تَسأَلَنَّ القَوافي عَن مآثِرِهِم
إِن شِئتَ فاِستَنطِقِ القُرآنَ وَالصحفا
يا سَيّدي يا رَسولَ اللَهِ قَد شرفَت
قَصائِدي بِمَديحٍ فيكَ قَد رصفا
مَدَحتُكَ اليَومَ أَرجو الفَضلَ مِنكَ غَدًا
مِنَ الشَفاعَةِ فاِلحَظني بِها طَرَفَا
أَجَزت كَعبًا فَحازَ الرفعَ مِن قَدَمٍ
عَلى الرؤوسِ وَنالَ البشرَ وَالتُحَفا
وَقَد أَلِفتُ قِيامي في المَديحِ إِلى
أَن قالَ مَن لامَ قَد أَبصَرتُهُ أَلِفا
بِبابِ جودِكَ عَبدٌ مُذنِبٌ كَلِفٌ
يا أَحسَنَ الناسِ وَجهًا مُشرِقًا وَقَفا
بِكُم تَوَسّلَ يَرجو العَفوَ عَن زَلَلٍ
مِن خَوفِهِ جفنُهُ الهامي لَقَد ذَرَفا
وَإِن يَكُن نِسبَةً يُعزى إِلى حَجرٍ
فَطالَما فاضَ عذبًا طَيّبًا وَصَفا
وَالمَدحُ فيهِ قُصورٌ عَنكُمُ وَعَسى
في الخُلدِ يُبدلُ مِن أَبياتِهِ غُرَفا
لا زالَ فيكَ مَديحي ما حييتُ لَهُ
فَما أَرى لِمَديحي عَنكَ مُنصَرَفا
0 تعليقات