لو رأَيتَ الكأَسَ وَالوجه الصبيحا
لم تلمْ في الراحِ من يعصي النصيحا
تركتْ في كأْسها لي قُبلةً
طابتِ الراحُ بها طعمًا وَريحا
أَرسلَ الإِبريقُ شؤبوبَ سنا
فإِذا أَقداحُنا قوسُ قُزَحْ
كشعاعِ الشمسِ لأْلآءً فهلْ
بعثَ النورَ أَم النارَ قدح
صَعَّدَ الزفرةَ حَرّى وَبكى
حينما أَهوى عَلَى ثغرِ القدح
كمحبَّيْنِ فَمٌ زقَّ فمًا
علّتِ الأَنفاسُ والمدمعُ سحّْ
غصَّ بالشهقة لما ارتدَّ عن
شفةِ الكأْسِ وبالدمعِ المُلِح
راعفَ المنقارِ خفافَ الحشا
من رآه خاله طيرًا ذبيحا
وهي كالجذوَةِ تنزو قرحًا
فذرِ الماءَ يَرُضْ منها جَموحا
رامها ابنُ المزنِ فاستحيتْ فما
مَسَّها حتى تغشّاها حجابُ
صافيانِ امتزجا فاستترا
هكذا الماءُ عَلَى الشمسِ سحابُ
هل رأَيتَ النارَ يعلوها دخانٌ
أَبيضٌ والشمسُ يغشاها ضبابُ
بسمتْ حتى ثناياها بدتْ
لا تخلْ أَنَّ الذي يطفو حباب
أَصبحتْ بابنِ السما مثل السما
كوكبٌ يبدو وَينقضُّ شهاب
عبقتْ في الكأْسِ من أَنفاسها
نفحةٌ تهدي إِلى الندمان روحا
وهي قبل المزجِ تحكي رقةً
أَدمع (العذراءِ) إِذ تبكي (المسيحا)
قد رفعناها نحيّي بعضَنا
وَقرعنا بعد ذا كأْسًا بكاس
وَتعاهدنا علَى (السرِّ) وَما
أَضيعَ (السرَّ) عَلَى أَنفاسِ حاس
وَعَلَى اسمِ (الحب) كانت نهلةٌ
تغمضُ العين وَتغري بالعطاس
ثمَّ ثنّينا فساغتْ سهلةً
راضها التقبيلُ من بعدِ شماس
أَنبتتْ في كل خدٍ وردة
ورمتْ في كلِّ عينٍ بالنُعاس
وَمن الأَلسنِ حلّتْ عُقدا
هكذا تجعل من عيٍّ فصيحا
أَرهفتْ حسًا وَهاجتْ شجنا
وَبها جوُّ المنى أَمسى فسيحا
أَيقظتْ عاطفةً وَثابةً
وَرمتْ جفنًا وَجسمًا بالفتورِ
هانتِ الدنيا عَلَى شارِبها
لا تساوي عنده شروى نقيرِ
هي لولا الكَأْسُ لا معنى لها
دارتِ الدنيا عَلَى كفِّ المدير
كلّمَا قبّلها هام بها
فحساها بصغيرٍ وكبير
أيّ شيءٍ تبعث الراحُ به
من أمانٍ وَنعيم وَسرور
ضمَّ من أَجفانه مستثبتًا
إِذ رأَى أَحلامَه تجلى وتوحى
السماديرُ رؤى سحريةٌ
فاتخذْ كأْسكَ (شِقَّا) وَ (سطيحا)
يا رضيعَ الكأْسِ أَفديك أَخًا
في رضاعِ الكأْسِ قربى وَرحمْ
آختِ الخمرةُ فيما بيننا
بلبانٍ وَبروحٍ وَبدم
أَيّ أُمٍ بذلتْ من قبلها
لِبَنيها كل هذا أَيّ أُمْ
حملتْ من كلِ من ترضعُهُ
عنتَ الطفلِ ولو كان هرم
طفَّلتْهُ فانتشى حتى انتهى
للكرى ينعم بالطيف الملم
كلما هشّتْ إِليه زادَها
ديدنَ الطفل قطوبًا وكلوحا
أَيها الناعمُ بالأَحلام هلْ
عبّرتها الراح تعبيرًا صحيحا
وَأَليفينِ كما شاءَ الهوى
وَالصِبا جُنَّتْ به حبًا وَجُنْ
هي كالطاوسِ من زهو الصِبا
وهو من غلوائه مهرٌ أَرِنْ
يُزهر البدرُ عَلَى جبهتها
وَعَلَى وَفرته الليلُ يَجِن
فَتنتْ حسنًا وَراقتْ زينةً
يكملُ الحسنُ إِذا واتاهُ فن
فترى الزخرفَ في حلّتها
نورُهُ ينهلُّ كالغيث الهتِن
فإِذا ما أَسرعتْ في مشيِها
عجَّ كالشلاّل ينصبُّ دَلُوحا
حلةٌ أَغرتْ بما قد سترتْ
حين زادتْ حسنَ ما أَبدتْ وضوحا
تركتْ من حاجبيها أَثرًا
مرهفًا والسيفُ إِنْ دَقّ مضى
وعَلى أَجفانها منْ كحلِها
ظلمةٌ من بينها النجمُ أَضا
إِنَّما الحمرةُ في مبسِهما
قبلةٌ حرّى حكتْ جمرَ الغضا
في يديها وعَلَى أَقدامها
مهجٌ سالتْ ودمعٌ غُيَّضا
أَرأَيتَ العاجَ قَدْ قمَّعهُ
وهجُ الياقوتِ أَو شمعًا مُضا
رفَّ طيرُ الحلي في لَبَّتِها
يبتغي في صدرِها كِنًا مريحا
عشيتْ مرْآتُها من طولِ ما
قابلتْ من وجهها برقًا مُليحا
مالتِ الخمرُ بأعطافِهما
من رأَى غصنًا على غصنٍ يميلُ
الهوى طاغٍ عنيفٌ والنُّهى
غاله من سوْرةِ الصهباءِ غولُ
شوَّشتْ وَفْرتَه لما رأَتْ
رأْسَهُ ما بين ثدييها يقيلُ
فسما بالطرفِ يرنو فإِذا
طرفُهُ من شدةِ السكرِ كليل
يا لمخموريْنِ مُلتخَّيْنِ لمْ
يعِ كلٌ منهما ماذا يقول
نضبتْ كأْسُهما فاستمسكا
ثم قاما بعد لأْيٍ ليروحا
أَشبها الميزانَ ما مِنْ طرفٍ
شالَ إِلاّ طرفٌ كان رجيحا
بلغا بعد اللتيّا والتي
غرفةً فيها الهوى ناهٍ أَمُورُ
هبّتِ الأَشباحُ مِنْ رقدتها
حينما أُوقِظَ في المشكاةِ نورُ
التماثيلُ بها عُريانةٌ
وَالدُمى وَالزهرُ نظمٌ ونثير
أَطبقَ البابُ فمًا خلفهما
فهما كالسرِّ يحويه ضمير
والكُوى قد أَغمضتْ أَجفانَها
حينما ضُمّتْ عليهن الستور
والكراسي فاتحاتٌ أَذرعًا
وَصدورًا للقا الأَحباب فيحا
واحمرارُ النورِ في كِلَّته
مؤْذِنٌ أَنَّ له جفنًا قريحا
وَهُما برحَ اشتياقٍ في سعيرِ
لشميم الخُلدِ في ذاك السريرِ
من رأَى (الزُهرة) في عُرْيتها
وَالذي تهوى عَلَى مهدٍ وَثير
رفّتِ الكِلَّةُ بِشْرًا واحتفى
بهما المهدُ بخفْقٍ وَصرير
أَسلمَ المصباحُ جفنًا للكرى
وَغفا رغمَ شهيقٍ وَزفير
وَدَّ كلٌّ منهما لو ظلَّ في
نومِه هذا إِلى يوم النشور
لا يبالي عاشقانِ اعتنقا
أَسريرًا نزلاه أَمْ ضريحا
فاغفرِ اللهم زلاّتِ الصِبى
وَتقبَّلْ توبةً منها نصوحا
0 تعليقات