مَتى يتجلّى أفق مصرَ بأَقماري
وَأَروي عَن اللقيا أَحاديثَ بَشّارِ
وَأَقرأ آيَ الوصل من صُحفِ أَوجهٍ
مواضعُ ختمِ اللثمِ فيها كأعشارِ
وأهتزّ كالنشوان مِن فرحِ اللقا
بِلا مِنَّةٍ عِندي لكاسات خَمّارِ
إِلى مِصرَ واشوقًا لمصرَ وَأهلها
تشوُّقَ صبٍّ لِلنوى غيرِ مختارِ
وَيا وَحشَتي يا مصرُ منك لبلدة
لداخلها بالأمن بشرى من الباري
تهبُّ نسيماتُ الشمال بأَرضها
فينشق مِنها الأنفُ جَونةَ عطّارِ
محسَّدَةٌ لا قَدح فيها لعائب
عَلى أَن زندَ الفضل مِن أَهلِها واري
إِذا فاخروها قام صارِمُ نيلها
بِمقياسِ صِدقٍ كاسِرًا كلّ فخّارِ
مَراتِعُ لَذّاتي وَملهى شَبيبَتي
وَمَبدأُ أَوطاني وَغايَةُ أَوطاري
وَمَنزِلُ أَحبابي وَمنزِه مقلتي
ومطلعُ أَقماري ومغرب أَفكاري
لبستُ ثياب اللهو فيها خلاعةً
وَقامَت عَلى خَلعي عذاريَ أَعذاري
فَكَم من غَزال لي بِها كَغَزالة
تملّكَ روحي باِلتفات وَإِسفارِ
ومن قمر لِلبَدر من نور وجهه
سِرارٌ ومحقٌ بعد تَمٍّ وَإِبدارِ
ينِمُّ عَلَينا عَرفُهُ حينَ يَنثَني
فَيهزا بأغصان وَيُزري بأَزهارِ
أَأَحبابَنا أُصليتُ في البحر بَعدَكُم
بِناري وَأَنتُم في رياض وَأَنهارِ
رمتني النَوى حَتّى ركبتُ مطيّةً
أَحاديثُها فيها غَرائِبُ أَسمارِ
إِذا السَهلُ أَوفى أَبطأت في مسيرِها
وتسرعُ في الأَمواج سيرًا بأَوعارِ
وجاريَةٌ لكنّها تسترقُّ من
تَبَطَّنَ فيها من عَبيدٍ وَأَحرارِ
وَإِن رُحِلَت في البَطنِ تَمشي سَريعة
عَلى ظَهرِها فَاِسمَع عَجائِب أَخباري
ولا خَيرَ فيها غيرَ أَنّ نزيلَها
نَديمٌ لقرآن مديم لأذكارِ
وَأَعجبُ ما أَحكيهِ أَنّي مُسافِرٌ
مقيمٌ ولكن منزلي أَبَدًا ساري
وَفي سفري لَم أَلقَ لي مِن مؤانِسٍ
سِوى الكُتبِ أَجلو الهَمَّ مِنها بأَسفارِ
أَبيتُ سَميرَ الأفق أَحسبُ أَنَّكُم
كَواكِبهُ حَتّى تعشّقتُ سَمّاري
وَفارقتُ أَنفاسَ الحَبيب وثغره
فَطال الدُجى من فقد صبحي وَأَسحاري
بَكى ناظِري بالدمع وَالدمِ وَالكَرى
فَمُذ نَفِدَت طُرًّا بكاكُم بأَنوارِ
فَما أَظلم الدنيا بعيني وَقَد نأت
ولاة غَرامي العاذِلون وَأَقماري
لَبِستُ ثياب الليل حُزنًا عَلى اللقا
وَصرتُ لذيل الدمع أيّة جَرّارِ
وَما في ضَميري غَيركُم مذ فَقدتكُم
فَحذفُكمُ عَن مُقلَتي حَذفُ إِضمارِ
وَأَنتُم منى روحي وَهدي بصيرتي
وَتَنويرُ أَبصاري وَتَيسير إِعساري
نَزَلتُم بِقَلبي وَهوَ عَمّارُ حبّكم
فأَضرمتم دار الضيافة بالنارِ
فَفي البين لا تَبغوا لَهُ القتلَ إِنَّ مِن
عَلامَةِ أَهلِ البَغي مقتَلُ عَمّارِ
أَظُنُّ النوى ليسَت بعارٍ لأَنَّني
عهدتُكُمُ لا تغمضون عَلى عارِ
فَيا نسماتِ الريح باللَه بلّغي
سَلامي عَلى روحي المقيمة في داري
سليها تُسامِح مقلتي بِمَنامها
لتحظى بطيب الوصل من طيفها الساري
وَلا تخبريها عن سقامي يسوؤها
ولا سَهَري الباقي وَلا دَمعي الجاري
وَقولي لَها إِنّي عَلى عهد حبّها
مُقيمٌ وَإِن لَم تُطوَ شُقَّةُ أَسفاري
رحلتُ بِلا قَلبٍ وَلا أَنَسٍ وَلا
لَذيذ مَنامٍ وَهيَ أُنسي وَتذكاري
وأذكر دارًا قد حَوَت طيبَ عَرفها
فأرتاحُ في الأَشعار للرند والغارِ
ومن رضيَ الآثارَ مِن بَعد عينِهِ
فَمَن ليَ مِن معشوق قَلبي بآثارِ
فَإِن أَصبحَت مَن هامَ قَلبي بحسنها
مهاجرةً أَمسَت دموعيَ أَنصاري
كَفى حزَنًا أَن لا نَصيرَ سِوى البُكا
لتخفيف أَحزاني وَإِخفاء أَسراري
وَما اِستعبَرَ العُشّاقُ إِلّا ليَدفَعوا
يَدَ الحُزنِ جَهلًا عَن قلوب بِأَبصارِ
أُسِرُّ غَرامي من عذول وَحاسِدٍ
فَإِعلانُ صَبري لا يُشابِهُ إِسراري
بليتُ بمَن لَم يَدرِ مقدارَ صبوتي
فَيا لَهفي بَعدَ الرَحيل عَلى الدارِ
وَأَبسِمُ لكن لَو بَدا لَكَ باطِني
ظهرتَ عَلى نارٍ بِهِ ذاتِ إِعصارِ
ورُبَّ صَديقٍ ضاقَ بالبين صَدرُهُ
وَما كُلُّ من لاقى الفراق بصبّارِ
يَقول أُواري لومتي أَو أَبُثُّها
وَما حالُ زندِ الصبر قلت له واري
لَقَد غرّني داعي الفراق فها أَنا
وردتُ وَلَم أَعلَم عَواقِب إِصداري
حَليفٌ لأَشجانٍ طَليقُ مَدامِعٍ
صَديقٌ لأَحزانٍ أَسيرٌ لأَفكاري
وَأَنفقتُ عمري للوصول إِلى اللقا
فَما نِلتُ ممّا أَرتَجي عُشرَ مِعشارِ
سِوى أَنَّ هَمّي في فؤادي مقرَّرٌ
وَراتِبُ دَمعي بعدهم مطلقٌ جاري
0 تعليقات