أرقني بارق نجد إذ سرى (مقصورة المكودي) لـ عبد الرحمن المكودي

أرّقني بارق نجد إذ سرى
يومض ما بين فرادى وثنى

أهّبتي إذ هبّ منه موهنا
ما سدّ ما بين الثريّا والثّرى

شممت من أرجائه إذ شمته
ريح صبا أطوع من ريح الكبا

فيا له من بارق ذكّرني
من الهوى ما كنت عنه في غنى!

أثار شوقا كان مني كامنا
بين ضلوع طالما فيها ثوى

فكان قلبي المجتوى إذ هاجه
كالزّند إذ أوراه مور فورى

وسحّ سحب مقلتي فما بقي
نوع من الدّمع بها إلا همى

ما كنت أدري قبل أن أنفده
أنّ البكا يمنعني من البكا!

وليلة سبحت في ظلمائها
إذ سحبت فضول أذيال الدّجا

ألفت فيها كل ما ألفيته
يوهي القوى إلا التّسلي والكرى

طالت وما أطلّ بازي صبحها
إلا باغيا ما لديها من جوى

قد وقفت نجومها في أفقها
وقفة حيران طويل المشتكى

جبت بها وحدي قفرا سبسبا
ليس به إلا النّعام والمها

نائي الزّيازي والفلا، داني الصّفا
خالي الفيافي والذّرى، خافي الصّوى

قطعتها ببازل ذي مرّة
ينوّع السير بأنواع المشى

فتارة يعمل فيها الهيدبى
وتارة يعدو عليها الخيزلى

كأنّ رحلي إذ علوت ظهره
فوق متين المتن وجريّ القوى

من وحش مهمه بعيد غوره
ذي أكرع أصلب من صمّ الصّفا

يقذف بي من فدفد لفدفد
وينتهي بي من فلا إلى فلا

حتّى إذا انتضى الصباح نصله
وقدّ جلباب الدّياجي فانفرى

كأنّه كتائب قد نشرت
راياتها على الإكام والرّبى

أحسّت الشّهب بها فأجفلت
وأمّت الغرب وجدّت في السّرى

إذا أنا ببقعة غيطانها
جرى بها سلسال نهر وانحنى

كأنّه معصم خود غادة
على رداء قد وشاه من وشى

وظلّ روض راضه صوب الحيا
فاعتمّ من نور حلاه واكتسى

باكره وسميّه فانفتحت
كمامه عن زهر طيّب الشّذا

وهزّ أيدي الرّيح منه قضبا
غنّى بها الطّير الأغنّ وشدا

أحسن به روضا نميما عرفه
معطّرا داني القطوف والجنى

قد نثرت شمس الغداة أيدعا
فيه وقد بلله قطر النّدى

وقفت طرفي بإزاء دوحه
أسرح طرفي في مبانيه العلا

وأشتكي دهرا دهاني صرفه
لمّا قضى بالبين فيما قد قضى

منازل كانت بنا أواهلا
نلنا بها حينا أساليب المنى

كم بتّ في أفنائها أجري إلى
غاياتها بطرف جد ما كبا

وكم سحبت إذ صحبت غيدها
بروضها ذيل السّرور والهنا

وكم مددت من سرادق على
ضفّة نهر أرج رحب الذّرى

وكم سعدت إذ صعدت صهوة
لمنزه منزّه عن الخنا

وكم هصرت فيه من غضن نقا
من قدّ ظبي أهيف طاوي الحشا

وكم لثمت زهر ثغر أشنب
من شادن عذب الثنّايا واللّمى

وكم رشفت من رضاب سلسل
يفعل بالألباب أفعال الطّلا

أيّام أزهار المنى مونقة
والدّهر ذو وجه منير المجتلى

تزفّني من الأماني دائبا
عرائس ذوات حلي وحلى

أنى أرجّي لفؤادي سلوة
من بعد بعد المونقات المجتنى؟

يا ليت شعري والأماني خدّع
هل يرجع الدّهر لنا ما قد مضى؟

وهل لنا من عودة لمعهد
صبوت فيه جلّ أيّام الصّبا؟

إذ لا مشيب فوق فودي يرعوى
من شينه، ولا رقيب يختشى!

أيّام أنس أسرعت في خطوها
كذا اللّذاذات سريعات الخطا

يا قلب لا تجزع فأنت قلّب
وأنت عندي ذو دهاء وحجا

فلا يهولنّك صرف الدّهر في
ما قد جنى عليك من خطب النّوى

فكلّ وصل ينتهي لفرقة
تفرى العرى منه وإن طال المدى

والدّهر في صروفه ذو عجب
يدني بها كلّ جديد للبلى

يبكي إذا أضحك يوما أهله
ويعقب الكرب إذا العيش صفا

كم ملك ذي نجدة في ملكه
يضيق عن جنوده رحب الفضا

قد ملك الأرض وراض صعبها
وشيّد القصور فيها والبنى

أخنى عليه دهره وعاقه
عن كلّ ما شيّده وما بنى

أين الألى شادوا وساسوا ملكهم
كمثل ساسان وعاد وسبا

دارت على أدؤرهم دوائر
وجرّعوا كاس المنايا والرّدى!

وأين باني إرم وجيشه؟
صاروا رميما تحت أطباق الثّرى!

وملك كسرى حين تمّ أيده
أوهته أحداث اللّيالي فوهى

ولم تقصّر عن ملوك قيصر
حتّى أبادتهم وطاحوا في التّوى

ولم تدع من ملك غسّان فتى
سامى المعالي في ذراها وسما

وكم ملوك قهروا بملكهم
أسد الشّرى صاروا حديثا في الدّنى

هذي هي الدّنيا فلا يغررك ما
تراه فيها من سرور وهنا!

فانفض يديك من عراها وارمها
وابرأ بها إن كنت من أهل النّهى!

وظنّ بالإخوان شرّا واخشهم
وصيّر الأحباب منهم كالعدا

وإن أردت خبرهم فاخبر فما
خبر قوما أحد إلا قلا!

وسرّك اكتمه عن الخلق ولا
تطلع عليه أحدا من الورى

واقنع-على عزّ-بما يكفي ولا
تحرص فإنّ الحرص ذلّ للفتى

وساير الناس على أخلاقهم
وساعد المسعد واحمل من جفا

وصافهم وإن أساؤوا نيّة
فإنّما لكلّ شخص ما نوى

كم من صديق مظهر لودّه
لكن له قلب على الحقد انطوى

يشكر في وجهك إن لاقيته
وإن تغب يغتبك في كلّ ملا

يذيع ما يراه من قبح وإن
رأى جميلا منك أخفى ما رأى

فاترك إخا من هذه سيرته
واهجره في الله ودعه والعمى

ولا تهابنّ ذوي الجهل وإن
راقك منهم منتدى ومنتمى

كم من أناس كالأناسي منظرا
فهم إذا أشبه شيء بالدّمى

وكم رجال في الدّنى ليس لهم
من العلا إلاّ الأسامي والكنى

يرون أنّ المجد والعلياء في
ما ينتقى من أبّهات وكسا

ليس العلا والمجد إلاّ لامرىء
رقا إلى أفق المعالي وارتقى

وصمّم العزم على ترك الهوى
وجدّ في طلاب ما يجدي الثّنا

وانتعل الشّهب الدّراري رفعة
وامتهد البدر المنير واعتلى

وما المعالي غير علم رائق
يصيّر المرء على أعلى السّها

طوبى لمن برّز في ميدانه
وابتدر السّبق لديه وجرى

وجدّ فيه وحماه جدّه
حتّى ارتقى منه بأسنى مرتقى

ودان بالدّين القويم والعلا
وازدان بالخلق الجميل والتّقى

لله قوم قارعوا أنفسهم
عن الهوى إذ قرعوا باب الرّضا

عابوا نفيس الدّرّ والعقيان إذ
باعوا نفوسهم بأنفاس علا

وأنت يا نفس شغلت بالهوى
حتّى هويت منه في قعر هوى!

فرّطت إذ أفرطت في اكتساب ما
يردي ولم أسلك سبيل من نجا

كم خضت في بحر المعاصي جامحا
لا أرعوي نصحا للحي من لحا

وكم تعبت إذا تبعت أملا
قد انقضت لذّته وما انقضى!

واحسرتا قد مرّ عمري ضائعا
بين خزعبلات لهو وهوى

هلكت في الهلاّك لولا أنّني
ذخرت ذخرا أرتجي به الهدى

وليس ذخري غير مدح أحمد
سيّد أهل الأرض طرّا، وكفى

محمّد أسمى النّبيّين علا
ومن كأحمد النّبيّ المصطفى

أكرم مبعوث لخير أمّة
فضّلها الله به على الورى

توراة موسى قد أتت ببعثه
وصدّق الإنجيل ما فيها أتى

قد أكثرت في كتبها الأحبار من
ما أخبرت من فضله فيما مضى

وأشرقت بنوره الآفاق في
مولده، وشرقت منه اللها

فالملك كسرى قد تداعى صرحه
وانقضّت الأرجاء منه وهوى

وفارس قد خمدت نيرانها
وألف عام سعرت فيها خلا

وغار نهر ساوة فساءها
ما لقيت من ظمأ ومن صدى

وخرّت الأوثان يوم بعثه
وظهر الذّلّ عليها وبدا

وانبعثت ثواقب الشّهب ترى
محرقة للجنّ في جوّ السّما

وكم له من آية بيّنه
ومعجزات مثل إشراق الضّحا

منهنّ نطق الذّيب في تصديقه
والعير أيضا والذّراع والرّشا

ومن عظيم المعجزات أنّه
قد سبّحت في كفّه صمّ الحصا

والجذع إذ فارقه حنّ كما
تحنّ ثكلى هاجها حرّ الجوى

والسّرح بالشّام لها أعجوبة
إذ عفّرت أغصانها على الثّرى

والأيك إذ أمرتها فأقبلت
وما بقي عرق بها إلاّ انفرى

وقلت عودي فكأنّ أصلها
ما زال عن موضعه ولا نأى

والشاة إذ مسحتها عادت به
بعد الهزال ذات نحض يشتهى

فروّت الرّكب بشكر ضرعها
إذ سحّ منها الضرع ذرّا وانهمى

وفي انشقاق البدر أيّ آية
بانت وما كانت حديثا يفترى

وكم مشت من فوقه غمامة
تقيه حرّ الشّمس حيثما مشى

وآية الغار مع الصّديق إذ
تواريا في جوفه عن العدا

قال له الصّديق كيف نختفي
ونحن فيه عرض لمن يرى؟

فقال: لا تحزن، فإنّ الله قد
حجبنا عن كلّ ضر وأذى

فحاك فيه العنكبوت سادلا
ببابه في الحين سجفا قد ضفا

وسترت وجه النبيّ سرحة
جاءت إلى الغار بأغصان علا

وحام في الحين الحمام حاميا
كأنّه مذ أزمن فيه ثوى

وليلة المعراج أجلى آية
إذ سار من مكّة ليلا وسرى

فاخترق السّبع الطّباق صاعدا
حتّى انتهى منها لأعلى منتهى

وائتمّ سكان السّماوات به
من ملك ومن نبيّ مجتبى

سايره جبريل حتّى أشرفا
معا على بحار نور وسنا

فقال جبريل تقدّم راشدا
هذا مقامي في السّماوات العلى

فاخترق الأنوار يمشي وحده
والحجب تنجاب له حيث انتمى

وقامت الأملاك إجلالا له
أمامه يسعون حيثما سعى

ناداه في ذاك المقام ربّه
يا صفوة الخلق ادن مني، فدنا

فكان منه قاب قوسين فما
كذب إذ ذاك الفؤاد ما رأى

خلا به حتّى حباه آية
ما زاغ فيها بصر ولا طغى

وكان هذا كلّه في ليلة
لم يستلبها الصّبح أثواب الدّجا

وفي نزول الغيث عام المحل ما
سرّ نفوس الخلق طرّا وجلا

إذ أمسك القطر عن الأرض ولم
ينل بها غيث ولا هبّت صبا!

حتّى دعا الله ليسقي أرضه
فسحّت السّحب بهطّال الحيا

وبقيت سبعا تريق ريّقا
راق به نور البطاح والرّبا

فأفرط الوبل على الخلق، فلم
يقلع ولا انجاب الحيا حتّى دعا

والصّاع اتّسعت به ألفا كما
أرويت نصف الألف والألف معا

وعاد بعد شبع القوم كأن
لم ينتقص منه طعام بل نما

وقصّة الزّوراء فيها عجب
إذ روي الجيش جميعا من إنا

وضع فيه كفّه فانهلّ من
أنملها ماء نمير وجرى

وكان جيشا من ثلاث مئة
فكلّهم غرف منه وارتوى

وفي نزول الوحي أمر هال إذ
أعجز أرباب البيان والحجا

أنزل في عصر البيان فتلي
على الجميع في البوادي والقرى

طلبتهم في سورة من مثله
فكلّهم إذ ذاك للعجز انتمى

فقام منهم كاذب معارض
هذى بعيّ غيّه وما هدى

جاء بقول هلهل مقبّح
وفاه فيه بفرى لا ترتضى

تمجّه الآذان عند سمعه
نظم ركيك النسج، إفك مفترى

كأنّه منطق ورها مسّها
خبل من الجنّ ففاهت بالهرا

وردّه عين قتادة كما
كانت فعادت ذات حسن وبها

وكم أنالت كفّه من نعم
وكم أزالت من وبال وعنا

وكم له من غزوة ذلّت له
فيها رقاب المشركين والعدا

قاد بها من صحبه عساكرا
عزّ بهم دين الإله وسما

من كل شهم مكم بحزمه
وممتط للعزم أسنى ممتطى

يسقي كؤوس الحتف في يوم الوغى
كلّ عدوّ ضلّ فيها وغوى

بكلّ رمح نافذ بادي السّنا
وكل نصل باتر ماضي الشّبا

أسد لدى الهيجاء لكن مالهم
غاب سوى ظلّ القتام والقنا

كم زاولوا الأوراد في ظلمائهم
وقاتلوا الأبطال يوم الملتقى

فهم إذا جنّ الظلام سجّد
وبالنّهار مضرمو نار الوغى

ريع بهم فؤاد كلّ مشرك
من كلّ شاك عاث كفرا وعثا

كم صدموا أقيال كلّ جحفل
وكم أداروا بينهم كاس الرّدى

ومن يكن نصيره محمّد
خير الورى تجم له أسد الشّرى

سل عنهم بدرا وسل أبطالها
ما فعلوا إذ بلغ السّيل الزّبى

جاءت جيوش الشرك في عساكر
بسبق تعدو بهنّ الجمزى

قادوا خميسا غصّت الأرض به
من كلّ ضرغام وليث قد سطا

فجاء جبريل بأملاك لهم
خيل من الكدن سريعات الخطا

بعدد ذي كثرة وعدد
ما حاك خلق نسجها ولا حكى

جند حمى الله به نبيّه
أكرم بمحميّ به ومن حمى

وكان من آيات بدر أنّه
رمى جيوشهم بكف من حصى

أصبت منهم أعينا فعميت
وامتلأت حين رميت بالقذى

وما رميت إذ رميت أعينا
منهم به، ولكن الله رمى

فكلّهم عقل عن حراكه
وجاش ممّا قد دهاه وجثا

موضع حتف حان فيه حينهم
ورويت أقطاره من الدّما

فكم قتيل خرّ مبتور المعا
وكم طريد فرّ مذعور الحشا

وكم أسير مثخن في قدّه
إمّا إلى المنّ وإما للفدا

وغزوة الخندق فيها عجب
إذ ابتلى الله بها من ابتلى

أقبل مشركو قريش كلّهم
وجيّشوا الأحزاب من كلّ ملا

حرّضهم بنو النّضير إذ بغوا
وغيرهم من اليهود والعدا

وصارخوا من غطفان عسكرا
عرمرما من [كل] جبّار عصى

راموا بجيش المسلمين نقمة
إذ جيّشوا برومة؟، ونقما

أكثر من عشرة آلاف لهم
في معضلات الحرب مكر ودها

من قيس عيلان ومن نجد ومن
تهامة وغيرهم ممّن طغا

هنالك ابتلي كلّ مؤمن
وزلزلوا لما دهاهم ما دها

فأرسل الله على عدوّهم
ريحا أراحت منهم كلّ عنا

وأنزلت عليهم ملائك
من السّماء بجنود لا ترى

لمّا رأوا أن البلاء عمهم
وفرّقوا، تفرّقوا أيدي سبا

جلاهم دون قتال ربّنا
إذ كفّ عنه المؤمنين وكفى

وانقرضت قريظة بالقتل إذ
خانوا وخالوا أنّهم ذو ونهى!

ما بين سبعمئة ونيّف
قد ضربت بالسّيف منهم الطّلى

لم يقهم من المنايا والرّدى
ما شيّدوه من حصون وبنى

فما حيي حييّ بن أخطب
بما جنى عمدا ولا كعب نجا!

راحت غداة غودروا رهن التّوى
أرواحهم من الدّنى إلى لظى!

وقد فشت أخبار أرض خيبر
إذ خربت بما أتاها من توى

حلّ بهم جيش النّبيّ غدوة
وعمّهم من جأشه خطب دهى

فاستفتحوا حصونهم، واستأصلوا
أعيانهم بالمرهفات والقنا

وفي علي إذ أراد بعثه
[لخيبر] معجزة لمن يرى

كان بعينيه أذى من رمد
فتفل النّبيّ فيها فبرا

وسار في الحين إليهم ناشرا
رايته يجوب بالجيش الفلا

قلع باب خيبر فما عصى
راحته كأنّه فيها عصا

أقامه عن ترسه فلم يزل
بيده حتى جرى ما قد رجا

فاستفتح الحصن الحصين واعتلى
به على الأديان دين المجتبى

وحين تمّ المصطفى افتتاحه
لخيبر سار إلى وادي القرى

حاصرهم لياليا وآب من
غزوته تلك بعلق مقتنى

وفي افتتاح مكّة عز غدا
مذلّ كلّ كافر فيها عدا

إذ جاءها يزحف في عساكر
ضاق بها رحب الأراضي والفلا

كتائب كأنها كواكب
وهو بها كأنّه بدر الدّجى

ملأتها خيلا ورجلا منهم
بين جبال وبطاح وربى

جبت بهم ظلماء نقع ما لها
ثواقب إلا أسنّة القنا

عشرة آلاف كرام ألّفت
قلوبهم طرّا على سبل الهدى

قبائل علت على قبائل
من كلّ شهم في الحروب متّقى

وكلّ ضرغام بصير بالوغى
قد سلّ نصل العزم فيها وانتضى

أقبلت في كتيبة خضراء قد
حفّ بها التأييد من ربّ العلا

عنّت بها ركائب كأنّها
مراكب في لجّ قمقام طما

وأنت يا خير الورى تقدمها
كأنّما أنت بها شمس الضّحا

أتيت في جند الإله رافلا
في ثوب تأييد ونصر قد صفا

والخيل من خلفك تختال بها
والعيس تنثال ثناء وثنى

قد انطويت من تواضع على
رحلك لمّا أن وصلت ذا طوى

خشعت من تحت لواء العزّ إذ
علا بك الدّين كمالا وسما

فاهتزّت الأرض به من فرح
وزهو إذ حلّ بها عيش حلا

عزّ نبيّ عقد الله له
لواءه فوق السّماوات العلا

وحين حطّ رحله ببكّة
كبا بها كل عدو وبكى

لم يبق إذ ذاك بها من مشرك
إلا اختفى خوفا بها، أو انجلى

فما أفادت «ابن حرب» حربه
حتى أتاه صاغرا فيمن أتى

ولا حمى فيها «حماسا» حزمه
حتى نجا منهزما فيمن نجا

فكان من فضل النّبيّ المجتبى
يومئذ أن كفّ عنهم وعفا

وطاف بالبيت العتيق شاكرا
لله ما أعطاه فضلا وحبا

ومرّ بالأصنام إذ طاف به
يشير نحوها فخرّت للثّرى

فبعضها خرّ على الوجه لما
أصابه، وبعضها على القفا!

فأصبح الدّين القويم قيّما
سما على الأديان طرّا وعلا

وعاد برق الشّرك برقا خلّبا
-من بعد ما أومض حينا-وخبا

وفي حنين حان حين حارث
وملك مالك بن عوف قد عفا!

دارت عليهم إذ أتوا دوائر
وأسلموا «دريدهم» إلى الرّدى

لما أتاهم ما حبا الله به
نبيّه من الفتوح والغنى

غاظهم فجمعوا من حينهم
عساكرا ممّن تولّى وغوى

وجمعت «هوازن» قبائلا
ممن زها عقلا بها حتى هوى

جاؤوا بأطفال وأموال لهم
من ذي بكاء ويعار ورغا!

فخرج النبيّ في عساكر
من كلّ صنديد كريم المنتمى

عساكر تتبعها عساكر
كلّ له عزم إذا الخطب عرا

لما تراءى العسكران أقبلت
جيوش أهل الشّرك تعدو الخيزلى

ففرّ جيش المسلمين هاربا
فما ثنى عنانه منهم فتى!

فأنزل الله على نبيّه
سكينة شام بها برق المنى

فقام في الجيش لهم مناديا
أنا محمّد النبيّ المصطفى

ثم دعا العبّاس جهرا فانثنى
إليه أنصار النبيّ إذ دعا

فاجتمعت عليه نحو مئة
ممّن به في المعضلات يهتدى

وأيّدوا بعسكر عرمرم
أنزله الله من املاك السّما

فانهزمت جيوش أهل الشّرك إذ
حمى جيوش المسلمين من حمى

فخذلوا طعنا وضربا إذ جثوا
بين عوامل الرّماح والظّبا

نصر إلهي قضى الله به
من قبل خلق الخلق فيما قد مضى

نبيّ صدق صادق في زهده
ما فوقه لمعتل من معتلى

عنت له شمّ الجبال ذهبا
طوع يديه من دنا ومن قصى

وراودته برهة عن نفسه
فما اشرأبّ نحوها ولا رنا

كم وقف الليل الطويل قانتا
لم يغتمض بسنة ولا كرى

حتّى اشتكت رجلاه ما قد نالها
وشفّها من ورم ومن مأى

فأنزلت طه له تكرمة
وزال عنه ما اعتراه من شقا؟

وكم طوى إنابة لربّه
على الحجار كشحه من الطّوى

لولاه ما كانت سماوات ولا
أضاء نجم من دراريها العلا

هو الحبيب الآمر النّاهي الذي
ليس يضاهيه نبيّ مجتبى

هو الشّفيع في المعاد للورى
منقذنا في الحشر من نار لظى

هو المرجّى للخطوب كاشفا
ومن سواه للخطوب يرتجى؟

هو الذي من أمّه مستشفعا
مستمسكا بحبله فقد نجا

هو الذي فاق النّبيين معا
في خلقه وخلقه منذ بدا

فكلّهم مسلّم لفضله
والعلم والحلم جميعا والندى

وكلّهم من بحره مغترف
معترف بأنه خير الورى

وكلّهم دون علاه واقف
في حدّه ملتمس منه الرّضا

وكل ما جاؤوا به من آية
فأصله من النّبي المصطفى

فانسب له ما شئته من شرف
واثن بما شئت عليه من ثنا

فلا ترى تبلغ منه غاية
وكيف يحصي أحد عدّ الحصا!؟

وما عسى تثني عليه مادحا
وحامدا لفعله وما عسى؟

وربّه في محكم القرآن قد
أثنى عليه وحباه بالهدى

يا أيّها المبعوث فينا رحمة
أنقذنا الله بها من الرّدى

خدمتكم بمدحتي هذي وإن
كنت من الإحسان نائي المنتأى

أقصرت إذ كنت بها مقصرا
أو لم أجئ فيها بمعنى منتقى

لكنّني طرّزتها من مدحكم
بحلل ذات بهاء وحلا

مقصورة، لكنّها مقصورة
على امتداح المصطفى خير الورى

ما شبتها بمدح خلق غيره
لرتبة أحظى بها ولا جزا

فاقت علاء كلّ ذي مقصورة
وإن هم نالوا الأيادي واللها

فحازم قد عدّ غير حازم
وابن دريد لم يفده ما درى

فإن أكن ملقى الغنى من غيره
فلن يفوت مملقا منه الغنى

وإنّما قصدي أن أحظى بما
يبقى من الذّكر الجميل والتّقى

وأستجير من ذنوب أثقلت
ظهري وأوهى ثقلها منه القوى

وأقعدتني مقعدا قد غضّني
كأنّني منه على جمر الغضا

يا أكرم الخلق علاه وندا
يا سيّد الرّسل الكريم المنتمى

يا صاحب الحوض الذي من أمّه
يظفر بورد لم تكدّره الدّلا

باع المعالي واشترى غيّ الهوى
يا نعم ما باع وبئس ما اشترى!

فكم أضاع في الدّنا سبل الهدى
وكم أطاع في الهوى غيّ الصّبا

فكن شفيعي يوم لا يغني امرءا
ما ضمّ من مال الدّنا وما حوى

يا ربّ بالمختار من أرومة
قصّر عنها كلّ أصل قد زكا

ومن له كلّ فخار انتمى
ومن به كلّ نبي اقتدى

خذ بيدي وامنن بلطف منك في
ديني ودنياي وجد لي بالرّضا

واغفر بعفو منك ما اجترمته
واصفح عن الزلاّت يا ربّ العلا

واجل صدا قلبي وهب لي توبة
أمحو بها آثام قلب قد قسا

فلست ألفى لسواك راجيا
ومن سواك يا إلهي يرتجى؟

وارحم محمّدا وآل بيته
وصحبه الغرّ الكرام المنتمى

صلّ صلاة منك تترى أبدا
عليه ما هبّت على الرّوض الصّبا

إرسال تعليق

0 تعليقات