لا تطفئي شمعة لا تغلقي بابا (تألقي يا حروف الشعر) لـ عبد الرحمن العشماوي

لا تُطفئي شمعة لا تُغلقي بابا
فمذ عرفتك وجه الفجر ما غابا

ومذ عرفتك عين الشمس ما انطفأت
ومذ عرفتك قلب الحب ما ارتابا

ومذ عرفتك ريح الخوف ما عصفت
ومذ عرفتك ظن الشعر ما خابا

تزينت لك أشعاري فكم سكبت
عطرًا، وكم لبست للحب أثوابا

وكم أثارت جنون الحرف فارتحلت
ركابه في مدى شعري وما آبا

تألقي يا حروف الشعر واتخذي
إلى شغاف قلوب الناس أسبابا

وصافحي لهب الأشواق في مهج
محروقة واصنعي للحب جلبابا

وسافري في دروب الذكريات فقد
ترين ما يجعل الإيجاز إسهابا

وصففي شعر أوزاني فقد عبثت
بشعرها صبوات الريح أحقابا

وعانقي فوق ثغر الفجر أغنية
كتبتها حين كان الفجر وثابا

وحين كانت شفاه الطل منشدة
لحنًا يزيد فؤاد الروض إطرابا

وحين كان شذى الأزهار منطلقًا
في كل فج وكان العطر منسابا

تألقي يا حروف الشعر واقتحمي
كهف المساء الذي ما زال سردابا

ومزقي رهبة في البدر تجعله
أمام بوابة الظلماء بوابا

وخاطبي قلبي الشاكي مخاطبة
تزيده في دروب العزم أدرابا

يا قلب يا منجم الإحساس في جسد
ما ضل صاحبه دربًا ولا ذابا

قالوا أطالت يد الشكوى أظافرها
وأقبلت نحوك الآهات أسربا

وأشعل الحزن في جنبيك موقده
وأغلقت دونك الأفراح أبوابا

ماذا أصابك يا قلبي ألست على
عهدي يقينًا وإشراقا وإخصابا

حددت فيك معاني الحب ما رفعت
إليك غائله الأحقاد أهدابا

صددت عنك جيوش الحزن ما نشأت
حرب ولاحرك الباغون أذنابا

ولا تقرب منك اليأس بل يئست
آماله فانطوى بالهم وانجابا

فكيف تغرق في بحر جعلت على
أمواجه مركبًا للصبر جوابا

أما ترى موكب الأنوار كيف غدا
يعيد نحوي من الأشواق ما غابا

وينبت الأرض أزهارًا، ويمطرها
غيثًا ويجعل لون الأفق خلابا

انظر إلى الروض يا قلبي فسوف ترى
ظلًا وسوف ترى وردًا وعنابا

قال الفؤاد أعرني السمع لست كما
تظن أغلق من دون الرضا بابا

لكنها نار الحزن، كيف يطفئها
صبر وقد أصبح الإحساس شبابا

يزيدها لهبًا دمعُ اليتيم بكى
فما رأى في عيون الناس ترحابا

وصوت ثكلى غزاها الليل فانكشفت
لها المآسي تحد الظفر والنابا

نادت، ونادت فلم تفرح بصوت أخ
يحنو ولا وجدت في الناس أحبابا

وأرسلت دمعة في الليل ساخنة
فأرسل الليل دمع الطل سكابا

ضاعت معالم بيت كان يسترها
عن الذئاب، وأمسى روضها غابا

فكيف تطلب تغريد البلابل في
روض يُشيع به الطغيان إرهابا

هون عليك فؤادي لست منهزما
حتى أراك أمام الحزن هيابا

هون عليك فؤادي واتخذ سببا
إلى التفاؤل،واترك عنك ما رابا

وقل لمن بلغ الإحساس غايته
منهما، فما عاد مكسورًا ولا خابا

لاتُطفئي شمعة يا من أبحت لها
حمى فؤادي، فإن الليل قد آبا

أما ترين ضياء الشمس كيف بدا
مستبشرًا، فحماه الليل وانجابا

لكنها لم تطاوع يأسها فمضت
تخيط من نورها للبدر جلبابا

ما حركت شفة غضبي ولا شتمت
وما أثارت على ما كان أعصابا

مضت على نهجها المرسوم في ثقة
وأعربت عن سداد الرأي إعرابا

لو أنها شغلت بالليل تشتمه
لما رأت في نجوم الليل أحبابا

كذلك الناسُ لو لم يفقدوا أملًا
واستمنحي رازقًا للخلق وهابا

فعندها سترين الأفق مبتسمًا
والشمس ضاحكة والفجر وثابا

إرسال تعليق

0 تعليقات