ملث القطر أعطشها ربوعا لـ المتنبي

مُلِثَّ القَطرِ أَعطِشها رُبوعًا
وَإِلّا فَاِسقِها السَمَّ النَقيعا

أُسائِلُها عَنِ المُتَدَيِّريها
فَلا تَدري وَلا تُذري دُموعًا

لَحاها اللَهُ إِلّا ماضِيَيها
زَمانَ اللَهوِ وَالخَودَ الشُموعا

مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ
يُكَلِّفُ لَفظُها الطَيرَ الوُقوعا

تُرَفِّعُ ثَوبَها الأَردافُ عَنها
فَيَبقى مِن وِشاحَيها شَسوعا

إِذا ماسَت رَأَيتَ لَها اِرتِجاجًا
لَهُ لَولا سَواعِدُها نَزوعا

تَأَلَّمُ دَرزَهُ وَالدَرزُ لَينٌ
كَما تَتَأَلَّمُ العَضبَ الصَنيعا

ذِراعاها عَدُوّا دُملُجَيها
يَظُنُّ ضَجيعُها الزَندَ الضَجيعا

كَأَنَّ نِقابَها غَيمٌ رَقيقٌ
يُضيءُ بِمَنعِهِ البَدرَ الطُلوعا

أَقولُ لَها اِكشِفي ضُرّي وَقولي
بِأَكثَرَ مِن تَدَلُّلِها خُضوعا

أَخِفتِ اللَهَ في إِحياءِ نَفسٍ
مَتى عُصِيَ الإِلَهُ بِأَن أُطيعا

غَدا بِكَ كُلُّ خِلوٍ مُستَهامًا
وَأَصبَحَ كُلُّ مَستورٍ خَليعا

أُحِبُّكِ أَو يَقولوا جَرَّ نَملٌ
ثَبيرًا وَاِبنُ إِبراهيمَ ريعا

بَعيدُ الصيتِ مُنبَثُّ السَرايا
يُشَيِّبُ ذِكرُهُ الطِفلَ الرَضيعا

يَغُضُّ الطَرفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ
كَأَنَّ بِهِ وَلَيسَ بِهِ خُشوعا

إِذا اِستَعطَيتَهُ ما في يَدَيهِ
فَقَدكَ سَأَلتَ عَن سِرٍّ مُذيعا

قَبولُكَ مِنَّهُ مَنٌّ عَلَيهِ
وَإِلّا يَبتَدِئ يَرَهُ فَظيعا

لِهونِ المالِ أَفرَشَهُ أَديمًا
وَلِلتَفريقِ يَكرَهُ أَن يَضيعا

إِذا ضَرَبَ الأَميرُ رِقابَ قَومٍ
فَما لِكَرامَةٍ مَدَّ النُطوعا

فَلَيسَ بِواهِبٍ إِلّا كَثيرًا
وَلَيسَ بِقاتِلٍ إِلّا قَريعا

وَلَيسَ مُؤَدِّبًا إِلّا بِنَصلِ
كَفى الصَمصامَةُ التَعَبَ القَطيعا

عَلِيٌّ لَيسَ يَمنَعُ مِن مَجيءِ
مُبارِزَهُ وَيَمنَعُهُ الرُجوعا

عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى
وَمُبدِلُهُ مِنَ الزَرَدِ النَجيعا

إِذا اِعوَجَّ القَنا في حامِليهِ
وَجازَ إِلى ضُلوعِهِمِ الضُلوعا

وَنالَت ثَأرَها الأَكبادُ مِنهُ
فَأَولَتهُ اِندِقاقًا أَو صُدوعا

فَحِد في مُلتَقى الخَيلَينِ عَنهُ
وَإِن كُنتَ الخُبَعثِنَةَ الشِحيعا

إِنِ اِستَجرَأتَ تَرمُقُهُ بَعيدًا
فَأَنتَ اِسطَعتَ شَيئًا ما اِستُطيعا

وَإِن مارَيتَني فَاِركَب حِصانًا
وَمَثِّلهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعا

غَمامٌ رُبَّما مَطَرَ اِنتِقامًا
فَأَقحَطَ وَدقُهُ البَلَدَ المَريعا

رَآني بَعدَ ما قَطَعَ المَطايا
تَيَمُّمُهُ وَقَطَّعَتِ القُطوعا

فَصَيَّرَ سَيلُهُ بَلَدي غَديرًا
وَصَيَّرَ خَمرُهُ سَنَتي رَبيعا

وَجاوَدَني بِأَن يَعطي وَأَحوي
فَأَغرَقَ نَيلُهُ أَخذي سَريعا

أَمُنسِيَّ السُكونَ وَحَضرَمَوتا
وَوالِدَتي وَكِندَةَ وَالسَبيعا

قِدِ اِستَقصَيتَ في سَلبِ الأَعادي
فَرُدَّ لَهُم مِنَ السَلبِ الهُجوعا

إِذا ما لَم تُسِر جَيشًا إِلَيهِم
أَسَرتَ إِلى قُلوبِهِمِ الهُلوعا

رَضوا بِكَ كَالرِضا بِالشَيبِ قَسرًا
وَقَد وَخَطَ النَواصِيَ وَالفُروعا

فَلا عَزَلٌ وَأَنتَ بِلا سِلاحٍ
لِحاظُكَ ما تَكونُ بِهِ مَنيعا

لَوِ اِستَبدَلتَ ذِهنَكَ مِن حُسامٍ
قَدَدتَ بِهِ المَغافِرَ وَالدُروعا

لَوِ اِستَفرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ
أَتَيتَ بِهِ عَلى الدُنيا جَميعا

سَمَوتَ بِهِمَّةٍ تَسمو فَتَسمو
فَما تُلفى بِمَرتَبَةٍ قَنوعا

وَهَبكَ سَمَحتَ حَتّى لا جَوادٌ
فَكَيفَ عَلَوتَ حَتّى لا رَفيعا

إرسال تعليق

0 تعليقات