أَبصرَ الثَعلبُ الغُرابَ على غُصنٍ
نَضيرٍ في رَوضةٍ غنّاءِ
وَرأى قطعةً بفيهِ منَ الجُبنةِ
تُزرى بالفِضَّة البيضاء
خير ما تَنتَقي وَأطيبُ ما تَخطفُ
من مأكلٍ لصوصُ الهواءِ
فاشتَهاها وَقال إن لم تكُن لي
أنكَرَتني ثعالبُ الغَبراء
إرفَعيني يا قوَّةَ المَكرِ إن لم
تُنزِلي الجُبنةَ التي في السماءِ
ثمَّ أَنشا يُثنى وَينصبُ أشراكًا
وَشرُّ الأَشراكِ بعضُ الثَناءِ
قائِلًا يا أميرُ عم كلَّ صُبحٍ
صائِحًا صادِحًا وكلَّ مساءِ
هاتِ زِدنا علمًا بقدرِكَ يا مَولايَ
من أنتَ من بَني العَنقاءِ
أغُرابٌ تَباركَ اللَهُ آمنّا
بفَضلِ الغِربانِ أهلِ العلاءِ
ألقِ درسًا على البَلابِل غلمانكَ
في الفَنِّ يا أَبا الفُضلاءِ
وَتَرَنَّم بِمَن أَفاضَ على حَلقكَ
ما لم يُفِض على الوَرقاءِ
كَلماتٌ أَصغى الغَبيُّ إِلَيها
فَاِعتَراهُ مسٌّ منَ الخُيلاءِ
وَتغنّى فلَم يُحِسَّ بما أَلقاهُ
في فَخِّ أشعَرِ الشُعَراءِ
بَل رَأى الجُبنَةَ الشَهِيَّةَ تَهوى
فَبَكاها وَلاتَ حينَ بُكاءِ
وَتَلَقّى اللصُّ الغَنيمةَ وَاِستَأذَنَ
في الحالِ زاهدًا في الغِناءِ
قائِلًا طبتَ يامُغَنّى النَدامى
غَنِّ غيري قد حانَ وَقتُ غدائي
أَيُّها الثَعلَبُ ارتَحِل لا هَنِيئًا
لا مَريئًا أَلأمَ اللُؤماءِ
أَيُّها الطائرُ الغَبِيُّ تَعلَّم
ذا جزاءُ الأَغرارِ وَالجُهلاءِ
لم تَزِد يا أَبا الحُصَينِ على
أَولادِ حَوّاءِ في ضُروبِ الدهاءِ
إنَ مِنّا من يَنصِبُ البَيتَ فَخًّا
لاِقتناصِ القَصرِ الرَفيعِ البِناءِ
فَإِذا مَدَّ لِلسّماءِ يمينًا
سلَّ منها كواكبَ الجَوزاء
بَعضُنا لا يزالُ في إِثرِ بعضٍ
ناهِبًا سالِبًا بلا استِحياء
فَتعوَّذ من هؤلاءِ وحاذِر
لا تكُن إن عُدِدتَ من هؤلاء