خبيئةُ نفسي لـ سيد قطب

خبيئة نفسي قد غفا الكون فاسفري
وكوني سميري، بعد أن نام سًمّري!

سها الدهرُ والأقدار رنّقها الكرى
وهوّم في جوف الدجى روح خيّر!

يُطيفُ على العانين بالعطف والرضا
ويعمر بالإغفاء رأس المفكّر

وينتظمُ الدنيا هدوءًا كأنها
عوالم في وادي المنى لم تصوّر

فلا صوت إلا خفقة من جوانحٍ
كما خفقت للضوء عين المصور

ولم يبق من تلك الحياة وأهلها
سوى طيفها الساري بوادي التذكّر

***
خبيئة نفسي من عهود سحيقة
ومن جوف آباد مضت قبل مولدي!

أحسك في أغوار نفسي ولا أرى
محيّاك إلا كالخيال المشرّد!

علمتك حتى أنت منّيَ بُضعةٌ
جهلتكِ حتى أنت في غير مشهد!

ويا طالما أخلفتِ لي كل موعد
ويا طالما ألقاك في غير موعدِ!

عجبتُ فكم من نفرةٍ تنفرينها
على فرط ما تبدينهُ من تودد!

حديثك من نفسي قريبٌ، وإنما
أخالك في واد من التيه سرمد

***
خبيئة نفسي، ما ترى أنتِ؟ إنني
أريدك في جو من الضوء معلم

أ عنصرك الإيمان والطهر أصلهُ؟
وإلا إلى الكفران والرجس منتمِ؟

وفي أي وادٍ أنت تسرين خلسة؟
ومن أي عهد في الجهالات مبهم؟

وكم فيك من نصر؟ وكم من هزيمة؟
تجاورتا في حشدك المتزحّم؟

وكم فيك من يأس؟ وكم فيك مأملٌ؟
وكم من تردّ، أو وثوب تقحّمِ

وكم فيك من حب، وكم فيك بغضة؟
ومن رشد إلهام إلى خبط مظلم!

***
خبيئة نفسي في ثناياكِ معرضٌ
لما لقيَتهُ الأرض في الجولان

وفيك من الآباد سر وروعةٌ
وفيكِ صراعات بكل زمان

وفيك التقى الإنسان من عهد خلقهِ
وفيك التقى الروحيّ والحيواني!

وأنكِ طّلسم الحياة جميعها
وصورتها الصغرى بكل مكان

أبيني إذن عن ذلك العالم الذي
تضمنتهِ من صورة ومعاني

أبيني أطالع في ثناياك ما مضى
وما هو آت من رؤى وأمان!